خالد الصمدي
بعد أن حدد ملك البلاد بصفته أميرا للمؤمنين الإطار العام لتعديل مدونة الأسرة في عدم المس بقطعيات القرآن، يحرص البعض على فتح المجال للخوض في هذه القطعيات وفتحها للتأويل، ويقود هذه المعركة بهذه المناسبة صنفان من الناس:
الصنف الأول لا يؤمن بالقرآن أصلا ومع ذلك يسمح لنفسه بالدخول في تأويله، فالنقاش معه ينبغي أن يكون في أصل الايمان بالقرآن المنزل من الرحمن قبل الدخول معه في أية تفاصيل بالحجة والبرهان، وهذا الصنف ينبغي أن يكون منسجما مع نفسه ومع قناعاته فينآى بنفسه عن النقاش الدائر بين المؤمنين بالقرآن حول قطعياته وفهمها وتأويلها وتنزيلها.
أما الصنف الثاني فهو الذي يؤمن بالقرآن، لكنه يحاول أن يفتح كل نصوصه على الفهم والتأويل دون تمييز بين المحكم والمتشابه من آياته دون حجة أو برهان، ويزعم أن حرص البعض على الدفاع عن. شيء اسمه “قطعيات القرآن” إنما هي قضية يختزلها في فهم فئة مجتمعية ذات توجهات معينة لنصوص الدين لتحقيق مكاسب سياسية لا أقل ولا أكثر، وليست قضية مجتمع برمته يجعل من هذه القطعيات الأسس التي تقوم عليها هويته الجامعة، غير قابلة للتأويل والنقض، لقوله تعالى “منه آيات محكمات هن أم الكتاب”، أي أسسه الواضحة التي لا مجال فيها لتأويل.
وفي هذا السياق، وبهذه المناسبة، يريد هذا الصنف من الناس والذين يمكن تسميتهم “بالمؤولين” فتح المجال لمناقشة أنصبة الإرث المحددة بآيات قرآنية رياضية قطعية الدلالة لا يدخلها فهم ولا تأويل، والدعوة الى تحقيق المماثلة في أنصبة الإرث بين الذكور والاناث، بزعم رفع “الحيف” عن النساء، وتحقيق المساواة، غير مدركين أن هذه المماثلة التي يدعون إليها هي الحيف بعينه، وأن تفصيل أنصبة الذكور والاناث من الميراث نصيبا مفروضا من الرحمن هو عين المساواة والعدل والانصاف، إذا ما اعتمدنا المنظور المتكامل لنظام الإرث في الاسلام وما يرتبط به من حقوق وواجبات.
فالله تعالى هو الذي قال: “يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين”، فترث الأنثى نصف ما يرث أخوها الذكر الوارث معها على سبيل الفرض، وتبقى نفقتها واجبة عليه من نصيبه الى أن يوجد زوج يعليها.
وهذه حالة إرثية بعينها غير قابلة للتعميم على ما سواها في علاقة الذكور بالإناث في الميراث كما يعتقد البعض، ويظهر ذلك من خلال الأمثلة التالية:
فقد حدد الله تعالى نصيب البنت إذا انفردت في نصف التركة لوحدها “فلها نصف ما ترك” والنصف الآخر يرثه باقي الورثة من العصبة الذكور، ممن هم ليسوا من درجتها بينهم بالتساوي وإن كانوا بالعشرات.
وهو الذي أعطى لمتعدد من الإخوة الاناث الثلثان بالتساوي فيما بينهم إذا لم يكن معهم وارث ذكر من درجتهم، حين قال “فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن الثلثان مما ترك”، والثلث الباقي للوارثين عصبة الذكور إن وجدوا وإن كانوا بالعشرات أيضا، فيكون نصيب البنت أكبر بكثير من نصيب أي واحد من هؤلاء الذكور، وفي كل هذه الحالات أيضا تبقى نفقة الإناث واجبة على الذكور بالتضامن فيما بينهم الى أن يوجد لهم من يعيلهم ويصون كرامتهم وحرمتهم.
والله تعالى هو الذي جعل نصيب الأب والأم واحدا لا تفضيل فيه في ميراثهما من ابنهما إذا توفي وكان له ولد، حين قال “ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد”، هكذا بالتساوي، وقس على ذلك حالات عديدة يتفاضل فيها الذكور عن الاناث، أو الإناث عن الذكور بحسب الحالات والمسؤوليات.
فمن يريد أن يحرم النساء من هذا الامتيازات والحقوق في الإرث وفي النفقة في هذه النظام المتوازن بالدعوة الى المماثلة في الأنصبة.
إن النظر في هذه الحالات وغيرها من الأنصبة المفروضة والمحددة في القرآن في إطار منظومة إرث متكاملة وليس بالنظر الى كل حالة بعينها، بالإضافة إلى ربطها بما يترتب عن ذلك من مسؤوليات بعد الإرث بمنظور شمولي هو الذي يفسر مفهوم المساواة والعدل في نظام الإرث في الاسلام، أما الدعوة إلى المماثلة في الأنصبة في غياب هذه النظرة الشاملة لمنظومة الإرث في الاسلام، مع فصلها عن ما يرتبط بها من واجبات ومسؤوليات صيانة للأسرة وضمانا لاستقرارها واستمرارها فهو إجهاز على حقوق المرأة وظلم لها، وإخلال بمنظومة إرث الهية قطعية متكاملة مسلمة لا شية فيها تشكل عين العدل وعين المساواة، لذلك لم تترك للتأويل وكانت التنصيص عليها من القطعيات.