محمد عصام يكتب: حين يكون ” البراني” أرحم بالمغاربة من أخنوش !
محمد عصام
عرفت أثمنة الخضر في الأسواق المغربية في الأيام القليلة الماضية انخفاضا ملحوظا، لمسه المغاربة عموما في كل أسواق المملكة، فبعد أن كانت أثمنة الطماطم لا تقل عن 15 درهما في المتوسط قبل أسبوعين، انخفضت الآن إلى أقل من خمسة دراهم، بل وظهرت أنواع جيدة من الطماطم لم تكن متاحة في السوق، ونفس الشيء بالنسبة لبقية الخضر التي شهدت أثمنتها انخفاضات كبيرة ولملموسة.
هذه الانخفاضات تزكي ما كنا نقوله دوما، أن مخطط أخنوش الأخضر والممول من الضرائب التي يدفعها المواطنون، هو مخطط لتجويع المغاربة، من خلال تشجيع الفلاحات التصديرية، والرهان الأعمى على الميزان التجاري بدعم كفة الصادرات خصوصا ذات المردودية العالية في الميزان التجاري، بغض النظر عن تأمين الأمن الغذائي للمغاربة، مع تبذير المخزون المائي وهدره بشكل بشع، فقط لإرضاء “حفنة من الكبار” الذين يحوزون أراض شاسعة وبعضها بطرق يشوبها ما يشوبها، وكل عينهم على التصدير المتوحش وعلى الأسواق الخارجية، أما المغاربة فلا حظ لهم مما تجود به أرضهم من خيرات وما يهدر من مائهم على منتوجات توجه رأسا للخارج ويأكلها وينعم بها غيرهم.
نقول هذا الكلام ونردده مرارا، ونحن نعرف أن من بيننا من صار يؤمن أن المخطط الأخضر ووليده “الجيل الأخضر” أصبح من المقدسات التي لا يجب مناقشتها ولا انتقادها، لارتباطه بـــ “سوبر وزير” الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولهذا كلما تجرأ أحد حتى في المؤسسة التشريعية لانتقاد المخططين والتنبيه إلى ما يجرانه على البلاد والعباد من خراب، إلا وتوزع دمه بين الفرق، وعلا صوت الجعجعة التي بلا طحين، حتى أنه يهيأ للمرء أن مقدسا من مقدسات البلاد قد مس، أو ثابتا من ثوابتها قد تمت الجراءة عليه، في حين أنه أصبحت نتائج المخطط على مستوى تدبير المخزون المائي وكذلك تحقيق الأمن الغذائي كارثية بمكل المقاييس، بل إنها أصبحت تفقأ العيون إلا تلك التي تغشاها إلى الآن غشاوة الجهل أو الركون إلى خندق “تضارب المصالح وزواج المال بالسلطة”.
فكل التبريرات التي صدعت بها الحكومة والأغلبية وباقي جوقتها الإعلامية، رؤوس المغاربة، من الجفاف وموجة البرد التضخم المستورد وهلم تبريرات، اتضح اليوم أنها كلها كذب وتضليل، فهذه الأسباب ما زالت قائمة، الجفاف هو الجفاف، والبرد هو البرد إن لم تتضاعف موجاته، والتضخم هو التضخم، فما الذي جعل الطماطم يتراجع ثمنها من خمسة عشر درهم أو يزيد إلى أقل من خمسة دراهم، أي بأقل من 200 % من سعرها قبل أسبوعين، وعلى هذا قس بقية الخضراوات والفواكه أيضا.
السبب بسيط هو أن حكومة دولة موريتانيا الشقيقة رفعت قيمة الرسوم الجمركية في وجه صادراتنا من الخضراوات، فعادت الأثمنة والجودة أيضا إلى مستوى مقبول في أسواقنا الوطنية.
ولهذا كنا دائما نقول، إن الحكومة مطالبة بعقلنة التصدير بشكل يحمي الأمن الغذائي للمغاربة ولا يمس القدرة الشرائية لهم، لكن الذي يبدو أن الحكومة بحكم خطيئة نشأتها الأولى في حضن الرأسمال، أصبحت رهينة له، ولا تملك قرارها في مواجهته، وبالتالي فهي حكومة مفصولة عن واقعها الاجتماعي، ولا تعبر إلا عن فئة ضيقة من المستفيدين وأصحاب الأموال إن لم أقل التجار في مآسي الشعب والاغتناء على ظهورهم.
كل المبادرات التي قامت بها الحكومة والدعم التي صرفته.. 10 مليار وبعدها مثلها، للتصدي لآثار الجفاف، ذهبت لشركائها من “الكبار ” الذين يسيطرون على قطاع الفلاحة، ويخربون مقدرات المغرب من الماء، ويصدرون بجشع ووحشية منتوجاتنا إلى الخارج، والحكومة لا تستطيع أن تفعل شيئا غير الاستثمار في التضليل وبيع الوهم.
الأمر نفسه يقال في قضية اللحوم، حيث ألغت الحكومة رسوم الاستيراد دون أن ينعكس ذلك على أثمنة اللحوم في السوق الداخلية، ما يعني خسارة مضاعفة، أولا لحزينة الدولة التي حرمت نفسها من عائدات مهمة كان بالإمكان استثمارها في مجالات متعددة، وخسارة لجيب المواطن الذي يؤدي الضرائب دون أن ينعكس ذلك الإجراء على أثمنة اقتنائه للحوم بالسوق المحلية، ما يعني أن تلك الأموال المهدرة ذهبت مرة أخرى لجيب الكبار وبسخاء ككل مرة، أي “زيد الشحمة في ظهر المعلوف “كما يقول المثل المغربي البليغ .
لا يجب أن يفهم من كلامنا السابق أننا ضد التصدير، أو أن يحاول البعض الذي “يزيدون في العلم”، أننا نحرض ضد مصالح بلدنا ونريد له الخسارة في معاملاته التجارية، لكننا كما كنا دائما، ننبه إلى أن الرهان على التصدير دون مراعاة السوق الوطنية، ودون تدخل الحكومة لترشيد هذا التصدير، هو إمعان في تجويع المغاربة والرقص على جراحهم التي كبدتها إياهم موجة الغلاء، وكل تحوير لما قلناه سيكون من باب الإصرار على الرقص على تلك الجراح ونكأ لها.