محمد عصام
المتابع لما يرافق مباريات نهائيات كأس إفريقيا في كرة القدم التي تجرى هذه الأيام في الشقيقة الكوت ديفوار، سيصاب بنوع من الصدمة وهو يلاحظ هذا الكم الفظيع من التجييش بين المغاربة والجزائريين، وكيف تحولت منصات التواصل الاجتماعي لفضاءات مسكونة بالكراهية وتدوير الحقد والتشفي وتمني السقوط بين الأشقاء الذين تجمعهم العقيدة واللغة والجوار والمصير المشترك.
ولكن لكي نكون منصفين وبكل تجرد، فإن الإعلام الجزائري متورط إلى أخمص قدميه في إذكاء هذا الحقد وتنميته، والغرق حتى الأذنين في إنتاج خطاب موغل في الكراهية، فالبلاتوهات الرياضية التي تنظمها المنابر الإعلامية الجزائرية تنزاح بشكل دائم من مناقشة الرياضة بأدوات الرياضة إلى التجييش القائم على نزوعات سياسية مريضة تجاه الجار، وبالتالي تحولت تلك المنابر إلى أدوات طيعة لتدوير الخطاب السياسي لعساكر الجزائر المسكونين بعقدة المغرب، والذين ما يزالون يعيشون زمن الحرب الباردة البائد.
وللإنصاف أيضا نقول إن الإعلام المغربي الرسمي والخاص في العموم كان ينزه نفسه عن السقوط في هذا القاع الذي يجره إليه إعلام الجار، فأنا شخصيا لم أشاهد إعلاميا أو محللا رياضيا مغربيا، تورط في صناعة هذه البشاعة الإعلامية التي يقصفنا بها الإعلام الجزائري في كل يوم وحين.
ولسنا هنا في حاجة للتذكير بالرسالة الملكية للرئيس الجزائري لتهنئته بفوز محاربي الصحراء باللقب الثاني على المستوى الإفريقي سنة 2019، وكيف خرجت بالمقابل الجماهير المغربية فرحا وانتشاءا بذلك الفوز في كل مدن المغرب وجهاته، تعبير منها على مشاركة الشعب الجزائري فرحته.
بالمقابل شاهدنا في كثير من المرات بلاتوهات لمحللين ومدربين وإعلاميين جزائريين ينتقصون من إنجاز المغرب العالمي بمونديال قطر، بل إني سمعت من أحدهم يقول: لو أن منتخب الجزائر لم يقص أمام الكاميرون بمؤامرة بطلها “لقجع” وأداة تنفيذها الحكم “كاساما”، لكان كأس العالم من نصيبه وما كان إنجاز المغرب ليذكر أمامه.
هذا حال الإعلام الجزائري الذي يبدو أن زمامه ليس بيده، بل في يد حكام الجزائر الذين يربطون شرعية وجودهم بالاستثمار في محاربة المغرب على كل الأصعدة والمجالات، وهدر مقدرات الشعب الجزائري في معاكسته وشراء الولاءات والاصطفافات ضده، وذلك في مطاردة سراب “القوة الضاربة” في المنطقة.
لكن اليوم دخلت متغيرات جديدة وتحولات عميقة في مجال الإعلام والاتصال، ويتعلق الأمر بمنصات التواصل الاجتماعي، وهنا تكمن الخطورة التي يجب على الشعبين بعيدا عن حسابات السياسة الانتباه لها، فموجة الكراهية المتدفقة عبر هذه المنصات وفي الجانبين يجب أن تنتهي، وأن يعلم الجميع أن الكرة كرة .. ويجب أن تبقى مجرد كرة ، وبالضرورة فيها منتصر ومنهزم، وعلينا أن نتعلم من الشعوب الأخرى التي سبقتنا في هذا المجال، فألمانيا سحقت البرازيل في عقر دارها في نصف نهائيات كأس العالم سنة 2014، وبحصة غير مسبوقة 7 مقابل 1، ولم نسمع من يتحدث عن مؤامرة أو تدخل أو أي شيء من هذا القبيل، بل طويت تلك الصفحة بما فيها من دروس وانطلق الجميع إلى إعادة ترتيب أوراقه بلا هدر للوقت والأعصاب والإمكانات فيما لا طائل منه.
صحيح أن كثيرا من التمظهرات التي تفصح عنها منصات التواصل الاجتماعي تبدو متأثرة بأجواء الشحن والتجييش التي سبق ذكرها، لكن لا يجب إغفال أن هناك جهات تستثمر في إذكاء هذه الكراهية والاستثمار فيها، وهو ما أكدته دراسة حديثة قام بها فريق “إيكاد”، حيث توصل إلى أن هناك آلاف الحسابات الوهمية على كل منصات التواصل الاجتماعي مرتبطة بجهات إسرائيلية تعمل على تنمية هذه الكراهية من خلال تدوير نفس المحتوى وتقاسمه على نطاق واسع وفي الاتجاهين المتناقضين، أي نفس الحسابات قد تنشر لصالح المغرب وتعود لنشر محتوى آخر معاكس مناصر للجزائر.
الخلاصة أن ما يتم تقاسمه على منصات الاجتماعي ليس دوما بريئا، وأننا يمكن أن نكون ضحايا “الحصار اللولبي للأخبار”، وهي نظرية في الإعلام تتركز على أن “الحملات” التي يتم إدارتها بشكل ممنهج ومدروس، تؤدي بالمتلقي وخشية من “العزلة الافتراضية”، إلى الانسياق وراء تلك الحملات دون حس نقدي لما تنتجه من خطاب، أو قراءة لمراميه وأبعاده، فيما يشبه الانسياق مع الجماهير وإبطال العقل حسب غوستاف لوبون.
وعليه فإننا كما فرحنا لفوز منتخب المرابطين أمس، لأنه فريق يستحق، ثم لأنه يمثل بلدا شقيقا، فإنه علينا أن لا نتشفى من هزيمة محاربي الصحراء رغم التجييش الذي مارسه الإعلام الجزائري، والضغط العنيف الذي كان المنتخب الجزائري أول ضحاياه، ذلك أن كرة القدم على الدوام فيها منتصر وفيها منهزم، وأنها خلقت للمتعة لا للعداوة، فهنييئا لمنتخب المرابطين، و”هارد لاك” لمنتخب محاربي الصحراء.