حامي الدين يكتب: غريب..مدونة الأخلاقيات لتكريس الفساد

عبد العلي حامي الدين


يتم الإعداد داخل مجلس النواب لتعديلات تتعلق بمدونة السلوك والأخلاقيات داخل النظام الداخلي لمجلس النواب، وتستند هذه التعديلات على فلسفة غريبة، يمكن اختصارها بالقول : محاصرة الفساد شكلا والاحتفاظ به مضمونا، مع الدوس على أبسط قواعد الحقوق الدستورية لكل من تتوفر فيه صفة النائب البرلماني.
كيف ذلك؟
تستهدف التعديلات الجديدة منع أي عضو في مجلس النواب يكون موضوع متابعة قانونية أمام القضاء بسبب جناية أو جنحة عمدية تمس بالشرف أو المروءة من الترشح أو المشاركة أو حضور جلستي افتتاح البرلمان لدورتي أكتوبر وأبريل، والعضوية في مكتب المجلس ورئاسة لجان من اللجان الدائمة.
كما تشمل القرارات المقترحة منع النواب المعنيين من العضوية في مهام استطلاعية مؤقتة، والمشاركة في اللجان وفرق العمل الموضوعية المؤقتة، والمشاركة في أنشطة دبلوماسية أو تمثيل المجلس في الهيئات والمنظمات الإقليمية، والترشح للتعيينات الموكولة لرئيس المجلس في المؤسسات الدستورية وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والديمقراطية التشاركية.
ويقصد بكل جنحة عمدية تمس بالشرف أو المروءة، أساسًا، كل جنحة متعلقة بالسرقة أو النصب أو خيانة الأمانة أو الرشوة أو استغلال النفوذ أو اختلاس أموال عمومية أو تبديدها.
في نظري هذه مقاربة مغلوطة ومختزلة من الأساس، لأنها تساهم في التطبيع مع الفساد ولا تعالج المسالك الحقيقية لولوج الفساد إلى المؤسسة البرلمانية.
الأصل في البرلمان أنه يمثل السلطة التشريعية، والمطلوب منه أن يسهر على التفعيل الحقيقي للرسالة الملكية السامية التي وجهها جلالة الملك إلى المشاركين في الندوة الوطنية المخلدة للذكرى الستين لإحداث البرلمان المغربي، والداعية إلى تخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم، وتعمل على الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة.
وفي هذا السياق،فإن التفاعل الإيجابي والسريع مع الدعوة الملكية، يمر عبر تعديل الأنظمة الداخلية للمجلسين من جهة، والأنظمة الداخلية للفرق البرلمانية، ومراجعة المنظومة القانونية والتنظيمية للانتخابات بما يسهم في إعادة الثقة للمواطنات والمواطنين في المؤسسة والنخب البرلمانية، ويسمح بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة قادرة على إفراز مؤسسات ذات مصداقية وتسمح بالرفع من جودة النخب البرلمانية وتعزز مكانة المؤسسة التشريعية.
إن المطلوب من البرلمان باعتباره سلطة تشريعية التعامل مع مدونة الأخلاقيات من منظور شمولي يسعى إلى معالجة ظاهرة النخب الفاسدة قبل ولوج البرلمان أي من خلال مراجعة القوانين الانتخابية وقانون الأحزاب السياسية، واستئصال أباطرة السياسة الذين يفسدون العملية السياسية بمختلف الأساليب منذ مرحلة الترشيحات وشراء التزكيات إلى مرحلة استغلال النفوذ والقرب من مراكز القرار مرورا بمرحلة شراء أصوات المواطنين وتوظيف الأموال الحرام في الحملات الانتخابية .
التعديلات المقترحة على النظام الداخلي لمجلس النواب لا تعالج المشكل في جذوره ولكنها تحرص فقط على تلميع الصورة الخارجية للبرلمان من الخدوش التي تتركها أظافر الفساد في أجهزته وهياكله التي تظهر في الإعلام المرئي وتمثل البرلمان في الخارج ، والحيلولة دون احتلالها من طرف أباطرة الانتخابات الملاحقين من طرف القضاء.
بمعنى آخر ، إن ما تسعى إليه هذه التعديلات هو الإخفاء السحري للكائنات الفاسدة مع الاحتفاظ بها ككتلة مصوتة في الجلسات العامة على مشاريع القوانين والسياسات العمومية.
إن من تحوم حولهم شبهات الفساد لا ينبغي ان يكونوا ضمن ممثلي الامة أصلا وليس المطلوب “حرمانهم ” فقط من عضوية الهياكل وحضور الجلسات الافتتاحية..
الأصل أيضا، ان كل نائب برلماني له حق الترشح لعضوية الهياكل ولا معنى لحرمانه منها بدعوى المتابعات القضائية لأن في ذلك مسا واضحا بالحقوق الدستورية للنائب البرلماني وضرب لمبدأ المساواة بينهم، ناهيك على المس الصريح بقاعدة ” البراءة هي الأصل”
وإذا كان لابد من تعديل النظام الداخلي للمجلسين، فليكن من أجل التجريد من العضوية في البرلمان وليس من أجل ذر الرماد في العيون والمس بالحقوق الدستورية المقررة لنواب الأمة على سبيل المساواة، فقط حرصا على الواجهة الخارجية.
رحم الله من قال: ” المزوق من برا آشخبارك من الداخل”

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.