خالد الصمدي
حرصت أمس كسائر المهتمين على تتبع جلسة السيد رئيس الحكومة في البرلمان المخصصة لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، فوجدت أنها باستثناء بعض مستجدات قطاع التعليم العالي والحوار الاجتماعي التي انقذت الموقف، كانت في معظمها إما سطوا، أو حشوا، أو سهوا، أو لغوا.
فأما السطو؛ فمثاله الواضح هو الحديث مرة أخرى عن إطلاق الحكومة “لبرنامج جديد لتكوين المدرسين” من خمس سنوات، والكل يعلم أن هذا برنامج (تكوين مدرسي المستقبل باكالوريا + 5 سنوات) انطلق سنة 2018، باعتماد نظام الإجازة التربوية وتأسيس المدارس العليا للتربية والتكوين، وأن هذا البرنامج سيتخرج منه هذه السنة الفوج السادس، فوضع السيد الرئيس نفسه أمام سخرية أول وآخر طالب التحق بهذا المسلك.
وأما الحشو؛ فهو الحديث عن أوراش أطلقت منذ صدور الرؤية الاستراتيجية سنة 2015، واعتبارها إنجازات جديدة، وكان الانصاف يقتضي منه أن يذكر الفضل لأهله، وأنه في إطار التراكم جاءت حكومته لتتميمها وتطويرها وتجويدها وتوسيعها، كما هو مطلوب من كل حكومة تحترم نفسها وتحترم شركاءها حين كان حزبها جزءا رئيسيا من التجربة الحكومية السابقة، لا أن يكرر الكلام عنها تحت لافتة “لأول مرة” والتي يبدو أن السيد الرئيس يعشقها، وذلك من قبيل ورش تعميم التعليم الأولي الذي انطلق بدوره سنة 2018 بالصخيرات برسالة ملكية، وقطع أشواطا لم تذكرها كلمة الرئيس بعبارة ولا بإشارة.
وبرنامج الدعم الاجتماعي الذي ذكر بإطلاق الدفعة الأولى منه في دجنبر الماضي، والكل يعلم أنه نسخة مطورة لبرنامج تيسير لدعم التمدرس المشروط الذي تم تعميمه في ظل الحكومة السابقة، ويعرفه حتى النساء في أعماق البادية منذ سنوات بتيسير ولا يزال بهذا الاسم في بوابة الوزارة لحد الساعة.
أما السهو فقد كان مع كامل الاسف في إغفال يبدو أنه متعمد في الحديث عن أهم الاوراش الإصلاح المعطلة والمفرملة لمساره دون الإشارة إليها بكلمة، وهنا يتساءل المتتبعون عن:
-تعطيل اللجنة الوزارية لتتبع تنزيل إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والتي تم إحداثها تحت إشراف رئيس الحكومة بموجب مرسوم، دون أن تعقد أي اجتماع لها لحد الساعة، وهو ما تسبب في الارتباك في الحكامة والتنسيق، فضاع زمن الإصلاح بالرجوع إلى المقاربة القطاعية عوض مقاربة المنظومة.
-تعطيل ورش تجديد وملاءمة البرامج والمناهج بقطاع التربية الوطنية الذي لم يفته لحد الساعة بعد تجميد اللجنة المختصة التي ينص عليها القانون، وهو الملف المركزي الذي يعتبر من أولى الأولويات في كل إصلاح كما ذلك يعرف الجميع.
-تعطيل ورش البحث العلمي بعد تجميد المجلس الوطني للبحث العلمي، الذي ينص عليه القانون وخرج مرسومه إلى حيز الوجود دون أن يرى النور لحد الساعة، ودون أن تعقد اللجنة السابقة للبحث العلمي والابتكار أي اجتماع لها تحت إشراف رئيس الحكومة لتتبع تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي في أفق 2026.
-عن توقيف مسار توسيع الخريطة الجامعية الوطنية التي تم الشروع في تنزيلها من أجل تحقيق الانصاف والعدالة المجالية، بعد توقيف إحداث 34 مؤسسة جامعية تم تحديدها بتشاور مع الشركاء المجاليين وتوفير تمويلها وتوقيع شراكات بشأنها في سياق برنامج كبير تم إعداده استجابة للتوجيهات الملكية الداعية إلى بلوغ مؤشرات الالتحاق بالتعليم العالي التي تمكن من دخول المغرب الى مصاف البلدان الصاعدة، وذلك في انتظار مخطط مديري معلن عنه قبل ثلاث سنوات لم يخرج إلى حيز الوجود لحد الساعة.
-عن مصير صندوق تنويع مصادر تمويل إصلاح المنظومة الذي صدر مرسوم إحداثه سنة 2019، في الوقت الذي يحتاج فيه هذا القطاع إلى تظافر الجهود في التمويل.
-عن تعطيل ورش إدماج التعليم الأولي في التعليم الابتدائي، طبقا لمقتضيات القانون، ووضعه تحت مسؤولية الوزارة، والقطع مع تدبير الجمعيات، وإدماج المشرفين عليه ضمن نسيج موظفي الوزارة تكوينا وتوظيفا.
-عن تعطيل ورش المخطط التشريعي لتنزيل مقتضيات القانون الإطار لإصلاح المنظومة (6 قوانين 80 مرسوم)، مع الاضطرار إلى إدخال تعديلات جزئية على وجه السرعة على بعض النصوص تحت الضغط ودون رؤية واضحة واستباقية لتنزيل هذا المخطط التشريعي، ويكفي الاطلاع على ندرة النصوص التشريعية المصادق عليها في المجالس الحكومية منذ تنصيب هذه الحكومة إلى اليوم للتأكد من أن إصلاح المنظومة التربوية هو على هامش التشريع، وأن هذه الحكومة تدبر مشاريع الإصلاح بالنصوص التي أخرجتها الحكومة السابقة إلى حيز الوجود، وكثير منها مع كامل الاسف تعرض للتعطيل عوض التفعيل كما بيننا.
بل نسي في معرض هوس الانكار أن الحكومة السابقة التي كان جزءا منها هي التي حازت شرف إخراج أول قانون إطار لإصلاح المنظومة التربوية في تاريخ المغرب مع النقاش الصحي الذي أثير حوله، وأنه الإطار القانوني الوحيد الموجه للإصلاح والذي استند إليه رئيس الحكومة نظريا في بداية مداخلته، وكشف واقع الممارسة عن إصرار غريب على تعطيل العديد من مقتضياته.
أما اللغو؛ فهو الذي تجسد عمليا في نهاية الجلسة في أسلوب “البوليمك” الذي اختار السيد رئيس الحكومة أن يتفاعل به مع أسئلة نواب الأمة المحرجة في تعقيبه الذي لم يتجاوز عشر دقائق والتي أظهر فيها عجزا واضحا عن التفاعل الآني معها.
وللتغطية على كل الاوراش السالف ذكرها والتي فتحتها الحكومة السابقة، وأنجزت جزءا منها على أرض الواقع أو قطعت فيها خطوات، لصالح الوطن استنجد سيادته تحت استغراب الجميع بعبارة (عشر سنوات ما لقينا فيها والو) ثم ختم كلمته وانسحب على عجل في الوقت الذي كان منتظرا منه أن يظهر عن علو كعبه في استيعاب الموضوع والتفاعل الايجابي الهادئ والرصين مع استفسارات السادة النواب احتراما لهم، واحتراما كذلك للمشاهدين والمتتبعين والفاعلين والرأي العام الذي انتظروا الجديد في هذه الجلسة الشهرية من خلال أجوبة دقيقة عن أسئلة واضحة، فإذا بهم يخرجون مرة أخرى بخفي حنين.