محمد عصام يكتب: حين هوى المريزق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى “أسفل السافلين” في” الحقيقة والتاريخ”
محمد عصام
خرج المصطفى المرزيق البامي الهوي والانتماء والأجندة، بصفته رئيسا للجنة النهوض بثقافة حقوق الإنسان وتعزيز البناء الديمقراطي، داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان بمقال عنونه بـ “للحقيقة والتاريخ” دفاعا عن المجلس ورئيسته، وصوب مدفعيته نحو حزب العدالة والتنمية وأمينه العام الأستاذ عبد الإله ابن كيران، معتبرا تصريحات هذا الأخير في المهرجان الجماهيري الحاشد الذي نظمه الحزب بالدار البيضاء يوم الأحد 03 مارس، “تشويشا ممنهجا على الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة” ومن باب “واش كتعرف العلم ، قال كنعرف نزيد فيه” أضاف أنه “ابتزاز للدولة باسم الدعوة الدينية وتحريض ضد الإجماع الوطني ومس بمؤسساته الدستورية والشرعية وتغليط الرأي العام الوطني وتوسيخ سمعة المغرب وتبخيس إصلاحاته الكبرى”
هذا الكلام “الغليظ” أوردناه كما اقترفه صاحبه الذي من المفترض أن يتحلى بأعلى درجات التحفظ، احتراما للمؤسسة التي ينتمي لها والتي جاء المقال ليدعي الدفاع عنها، فإذا به يهوي بها وبصاحبه إلى عمق سحيق من الإسفاف والابتذال المعجونين بكثير من الكذب والتضليل وقلب الحقائق رأسا على عقب، إمعانا في احتقار المغاربة وذكائهم وقدرتهم الفائقة في التمييز بين من يمارس التضليل ومن يقول الحقيقة.
صاحب المقال اختلط عليه وضعه كعضو في مؤسسة دستورية تمثل المغاربة بكل أطيافهم، وبين انتمائه لهيئة سياسية ستلاحقها لعنة الولادة في حضن التحكم إلى يوم الدين، وهو ما تجلى بقوة في العبارات التي اقترف بها مقالته موضوع هذا الرد.
لكن السؤال الكبير الذي يجب طرحه، هو لماذا هذا المقال في هذا الوقت بالذات، ثم لماذا لم يكن الرد على ابن كيران وحزبه بشكل رسمي عبر بيان توقعه رئيسة المجلس ويلزم كل أعضائه؟ ثم أخيرا لماذا لا تخرج الرئيسة نفسُها للدفاع عن نفسها إن كانت كما يقول المريزق قد تعرضت هي ومؤسستها لـــ ” تهجم مجاني على مؤسسة وطنية محترمة داخل المغرب وفي المنتديات والمؤسسات الدولية وتسفيها لشخص رئيستها المناضلة الحقوقية والمرأة العصامية المشهود لها بالكفاءة والنزاهة” .
ولنجيب على هذه الأسئلة نود أن نوضح أن حزب العدالة والتنمية وعبر بلاغ رسمي صدر منذ 21 يناير قد عبر بوضوح عن موقفه من مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان واعتبر مضامينها “غربية عن ثوابت وهوية المجتمع المغربي المسلم، ومستفزة للشعور الوطني ومتجاوزة لمقتضيات الدستور والتوجهات الملكية السامية المؤطرة لورش مراجعة المدونة” (انتهى كلام البلاغ) وفي نفس الوثيقة أعلن الحزب بكل وضوح بأنه سيوجه مذكرة إضافية للهيئة المكلفة بإصلاح المدونة يرد فيها عما جاء في مذكرة المجلس الوطني من انحرافات “فاقعة للعيون” لكل المرجعيات المؤطرة لهذا الورش، وهي المرجعية الشرعية والملكية والمجتمعية، وفعلا تم توجيه المذكرة ونشر مضامينها.
وطيلة هذ المرحلة وإلى غاية يوم الأحد 03 مارس، وفي كل الفعاليات التي ينظمها الحزب، يتم التعبير بشكل واضح لا لبس فيه عن المواقف نفسها التي جاءت في المذكرة، كما أن الأمين العام الأستاذ عبد الإله ابن كيران وفي كل المناسبات التي أتيحت له في هذه الوعاء الزمني الممتد من صدور مذكرة المجلس إلى غاية يوم المهرجان، كان يعبر بقوة عن الرفض المبدئي لمضامين المذكرة، وفيديوهات كلماته متواجدة ومتوفرة بكثرة ويتقاسمها المغاربة بإقبال شديد لأنها تعبر عن وجهة نظرهم، كما تعكسه استطلاعات الرأي والبحوث الميدانية في هذا الباب.
فلماذا إذن طيلة هذه الفترة لم نسمع للمريزق أو لغيره ركزا؟ ما الذي استجد اليوم حتى يستفيق المريزق ومن على هواه من سباتهم ، ليخبرونا فجأة عن “التحريض على العصيان” و”ابتزاز الدولة” الذي يمارسه ابن كيران وحزبه، ألا يعتبر السكوت طيلة هذه المدة عدم” تبليغ عن جريمة”؟ إن لم نقل تواطؤا مع “مقترفيها”؟
الجواب واضح ويتعلق بالنجاح الباهر لمهرجان الدار البيضاء، وهو مؤشر التقطه المريزق ومن خلفه للمسارعة للتشويش عليه واستباق حلقاته المقبلة.
فالمهرجان الوطني الذي نظم بالدار البيضاء حول الأسرة كانت مؤشرا حقيقيا بأن معركة التواصل المباشر مع المغاربة ليست في صالح من يسمون أنفسهم بــ “الحداثيين” ويحاولون فرض وصايتهم على المغاربة ويستقوون عليهم بالاتفاقيات الدولية وأيضا بآليات الضغط الدولية المشبوهة الأجندات والمرامي، وأن التيارات الأصيلة والعميقة في المجتمع، وحزب العدالة والتنمية في صدارتها، ستربح هذه الجولة بامتياز، فبالتالي ما اقترفه المريزق يوما واحدا بعد نجاح المهرجان، هو محاولة للتحريض على العدالة والتنمية وابتزاز للدولة في اتجاه التضييق على مثل هذه الفعاليات، وليس العكس.
وهو بذلك يورط المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مستنقع “السياسوية” ويحوله من مؤسسة دستورية لها مكانتها التي تليق بها، إلى مجرد جمعية أو ناد أيديولوجي يمارس هواية الكر والفر بحسابات ضيقة وأفق أضيق.
الأمر الثاني في الموضوع يتعلق بفوبيا العزلة المجتمعية التي يعيشها هذا التيار المهيمن للأسف على هذه المؤسسة الدستورية، وعدم قدرته على مقارعة من يخالفونه على مستوى التواصل الشعبي، لأنه ببساطة لا يملك عمقا شعبيا يمكنه من ذلك، والمؤشر على ذلك ما تقوله استطلاعات الرأي من تمسك المغاربة بمرجعيتهم الدينية وبإمارة المؤمنين وبوحدة مذهبهم المالكي في كل ما يتعلق بقضايا الأسرة، ومن جهة أخرى لأن هذا التيار مكشوف في ارتباطاته بأجندات دولية تستهدف الخصوصية التاريخية والحضارية لهذه الأمة، ولا تقيم وزنا لهذه الخصوصية، وتحاول عبر كل طرق الضغط الناعمة وغير الناعمة على جعل المغرب تابعا لمنظومات مجتمعية غربية، واستنساخ نماذجها المجتمعية، رغم أن كل الوقائع والمؤشرات تقول أن هذا النموذج المجتمعي الغربي مفلس ووصل أفقه درجة الانسداد الكلي، وهناك دعوات من داخل الغرب نفسه تدعو إلى القطع معه وبدء دورة حضارية جديدة، متحللة من الرؤية المادية للإنسان، الذي حولته إلى مجرد سلعة يتحكم فيها قانون العرض والطلب، مع ما يعنيه ذلك من ضرب للقيم والأخلاق وهو ما ينتج في المحصلة بناء مجتمعيا خاليا من “الإنسان” كقيمة مجردة تستمد وجودها وكينونتها وهويتها من عالم القيم والأخلاق والروحانيات وليس من المادة وقوانينها التي بلا روح ولا إنسانية.
الخلاصة، أن خرجة المريزق- والأكيد ستتبعها خرجات أخرى، وسيتقاسم القوم الأدوار فيما بينهم في اقتراف مثل هذه الموبقات-، ليست إلا رجع صدى للوجع الذي أصاب القوم بعد نجاح مهرجان الدار البيضاء، واستباقا لبقية المحطات التواصلية التي يمكن أن تأتي من بعد، خصوصا أن ابن كيران لوح بمسيرة مليونية إن اقتضى الأمر ذلك، فالقوم أصابهم الجزع فلهذا تسببوا في ضرر بالغ لمؤسسة المجلس من حيث أرادوا الدفاع عنها، لهذا نقول لهم هونوا على أنفسكم فهذه مجرد بداية و”ما زال العاطي يعطي” وكما يقول المثل “لي تلف إشد الأرض”!!!