حوار.. الكعداوي: تكرر التصرفات الريعية من رئيس الحكومة ووزرائه “استفزازية” و”مهددة للاستقرار”
طالبت المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، بوقوف مجلس المنافسة على مدى استغلال النفوذ وتضارب المصالح من أجل الهيمنة والسيطرة على سوق الغاز الطبيعي المسال في المغرب، ومدى وجود عمليات احتكار وتركيز اقتصادي تخص العقد الاستراتيجي الذي استفادت منه شركة “إفريقيا غاز”، وأصبحت من خلاله تتحكم في السلسلة الغازية الوطنية، بشكل يخالف الدستور ومقتضيات حرية الأسعار والمنافسة.
وفي هذا الحوار، يبرز الناشط السياسي والباحث الأكاديمي عبد الكريم الكعداوي، أهمية الخطوة النيابية، وكذا الخطورة التي يشكلها وضع تضارب المصالح وزواج السلطة بالمال على المغرب، وكذا تنامي استغلال السلطة لأجل تحقيق مكاسب مالية وأثره على ارتفاع مؤشر الفساد في البلاد، وارتباط ذلك بمخرجات 8 شتنبر 2021.
وهذا نص الحوار:
1/ ما أهمية الخطوة التي قامت بها المجموعة النيابية بخصوص مراسلة مجلس المنافسة؟
يأتي تدخل المجموعة النيابية في إطار النهوض بالدور الرقابي للبرلمان، وفي سياق تفعيل الأدوار الدستورية لمؤسسات الحكامة. وضمن هذا الإطار، فإن تسليط الضوء على ما يمكن أن يشكل إخلالا بمبدأ حرية المنافسة، وطلب التحقيق في شبهات تضارب المصالح، يشكل تحركا مؤسساتيا من صميم الممارسة الديمقراطية، ولا يمكن أن يزعج إلا المفسدين وذوي السوابق من الممارسين للاحتكار والريع.
2/ هل ما وقع بخصوص الغاز والمحروقات من قبل فيه إدانة رسمية لرئيس الحكومة؟
لابد هنا من التذكير بأن مجلس المنافسة قد أصدر بلاغا في 23 نونبر 2023، أكد فيه تورط تسع شركات للمحروقات، إلى جانب منظمتها المهنية، في مؤاخذات متعلقة بممارسات احتكارية واختلالات في قواعد المنافسة، وفي مقدمتها شركة “أفريقيا” المملوكة لرئيس الحكومة، باعتبارها الفاعل الأول في مجال المحروقات، وأعلن في ذات البلاغ عن تغريمها بما مجموعه 184 مليار سنتيم، كتسوية تصالحية.
لكن، وبعد ثلاثة أسابيع فقط على قرار مجلس المنافسة، وقع رئيس الحكومة مرسوما، بتاريخ 8 دجنبر 2023، يقضي بتغيير نصف أعضاء المجلس (6 أعضاء من بين 12)، وذلك بعدما لم يتم تجديد عضوية المعنيين بالأمر، على الرغم من أن القانون يتيح إمكانية ذلك لمرة واحدة إضافية مدتها 5 سنوات، في حين كان أبرز المُعينين الجدد الوزير السابق (عثمان الفردوس)، المحسوب على حزب الاتحاد الدستوري المساند للحكومة. وهو ما يجعل الإدانة مضاعفة لرئيس الحكومة، من خلال السعي لتغيير تشكيلة مجلس المنافسة بطريقة استباقية للحيلولة دون صدور إدانة أخرى!
3/ هل يمكن وصف ما يقع بأنه إجراءات استباقية عن سبق إصرار لتشجيع الفساد؟
لا يشكل التغيير “الانتقامي” الذي قام به رئيس الحكومة بشأن مجلس المنافسة إجراء منعزلا، وإنما يندرج ضمن سلسلة من الإجراءات والقرارات التي اتخذها وزراء ورئيس الحكومة، والتي تشكل في ذاتها تشجيعا على الفساد. فقد سبق للحكومة، برئاسة عزيز أخنوش، ومباشرة بعد تنصيبها، أن سحبت قانون الإثراء غير المشروع، كما تم حل لجنة محاربة الفساد، وتبعتها فضيحة مدوية أخرى إثر سحب مشروع القانون المتعلق بالاحتلال المؤقت للملك العمومي للدولة من البرلمان.
زيادة على ذلك، عملت العديد من القطاعات الحكومية على إصدار قرارات أو تبني مقاربات وتصرفات من موقع المسؤولية، تؤسس لمنطق الريع الحزبي الضيق، وإقصاء المقاربة التشاركية ومبادئ الشفافية في قطاعات وأراش استراتيجية، خلافا لكل مبادئ الحكامة الجيدة التي نصت عليها الوثيقة الدستورية. ما يعطي الانطباع بوجود تفاهمات ومضاربات على حساب المواطن والاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية الحقيقية للوطن، وهو السلوك الحكومي الذي ما فتئ يتعزز بانبعاث واقع مأزوم بالزبونية والمحسوبية وضرب تكافؤ الفرص، وبشكل غير مسبوق (مباريات المحاماة، التعليم العالي، الخ.). وفي هذا السياق، يشكل فسح الطريق لفوز شركة رئيس الحكومة بصفقة تصفية ماء البحر بالدار البيضاء، أحد أبرز الفضائح الحديثة لزواج المال والسلطة.
4/ كيف تفسرون تواري رئيس الحكومة أمام هول ما يقع من اختلالات؟
بكل تأكيد نسجل أننا أمام هذا الوضع، نرى كيف يتوارى رئيس الحكومة إلى الظل ويبلع لسانه، تاركا الشارع يغلي في مدن وجهات مختلفة، وبشكل لم يشهده المغرب منذ أزيد من 15 سنة. وقد سعى الموظفون في قطاعات متعددة إلى مقاومة عملية التجريف الريعي الذي تقوم به الحكومة على حساب الطبقات المتوسطة والهشة (التعليم، الجماعات الترابية، العدل، الصحة، التجهيز والنقل، الخ.). ليبقى التساؤل مطروحا حول مدى استيعاب رئيس الحكومة للمخاطر التي تهدد السلم الاجتماعي بفعل الاستفزازات المتكررة للمواطنين، جراء ضرب القدرة الشرائية للبسطاء من جهة، ومراكمة الريع من طرف ذوي النفوذ من الجهة الأخرى.
وقد سجل التقرير الذي أعدته الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، برسم سنة 2022، ارتفاع مؤشرات الفساد بالمغرب. وأمام المؤشرات الإضافية لتكريس الفساد في عهد أخنوش، فإن الوضع ينذر بتفجر ارتدادات غير متوقعة في الشارع، وعواقب سلبية على مناخ الأعمال والاستثمار (إفلاس 16 ألف مقاولة نموذجا). وبدل التطرق لمعالجة الاختلالات التي أبانت عنها الممارسات المركزية والمجالية للأغلبية الحكومية بقيادة حزب أخنوش، فإن بعض الأفواه الحكومية وأذرعها الإعلامية تحاول لعب دور الناطق بالوكالة عن رئيس الحكومة، وممارسة سياسة الهروب إلى الأمام، عبر مهاجمة العدالة والتنمية، ومحاولة اختلاق خطاب تضليلي، جوهره الاستمرار في الممارسات الفاسدة مقابل خدمات رديئة لتسفيه التجربتين الحكوميتين السابقتين ! ضمن سياق إقليمي يسعى للتمكين لكل من يبدي الاستعداد لتجفيف منابع ما يسمى زورا بـ”الإسلام السياسي”، حتى وإن أوصل ذلك بعض البلدان لمستوى الإفلاس!
5/ كل هذه الاختلالات المسجلة تتم في وقت تنامت فيها المتابعات القضائية في حق منتخبين، كيف تنظرون للأمر؟
لقد أصبح الفساد ومراكمة الريع بالاستفادة من موقع المسؤولية حديث الشارع بشكل يومي؛ ويرى المتابعون للشأن العام، والمعنيون بحماية المال العام، أن الحكومة جزء من واقع اللوبيات المستفيدة من الفساد، بحيث أن هناك العديد من أعضاء الحكومة متورطين في تضارب المصالح، بمن فيهم رئيس الحكومة نفسه.
ولعل أرقام المتابعات القضائية لمسؤولين بارزين ينتمون لأحزاب الأغلبية بتهم فساد ثقيلة، يشكل أكبر دليل على حجم الانحراف الذي عرفته الممارسة السياسية، عقب انتخابات 8 شتنبر، والتي أفرزت نخبا، مازال القضاء يكشف عن حجم مهول من سعيها لتحقيق مصالح شخصية وحزبية، عبر استغلال النفوذ؛ واختلاس المال العام؛ وعدم احترام معايير الشفافية والنزاهة في الصفقات العمومية؛ ومنح الرخص دون وجه حق؛ الخ.
لكن رمي الكرة للسلطة القضائية لا يعفي السلطة التنفيذية وأغلبيتها المسيطرة على السلطة التشريعية من مسؤولياتها القانونية والأخلاقية. وفي هذا الاتجاه، لا يبدو أن أحزاب الأغلبية، ومن يدور في فلكها، قادرين على السيطرة على الآثار الوخيمة للفساد، لاسيما تلك المرتبطة بإعاقة التنمية وإضعاف الثقة بالمؤسسات، وما يصاحبهما من انتشار الشعور باليأس والظلم والتهميش، وهو ما يهدد مقومات الاستثناء المغربي في الصميم، ويجعل تكرر التصرفات الريعية، من رئيس الحكومة ووزرائه، ذات طابع استفزازي لا يبشر بأي خير.