الكعداوي: ترتيب المغرب الضعيف في مؤشر التنمية البشرية يسائل واقع إنتاج الثروة وتوزيعها
احتل المغرب المرتبة 120 من أصل 189 دولة في تصنيف مؤشر التنمية البشرية العالمي لعام 2024، ليعرف تحسنا طفيفا من 0.674 في عام 2021 إلى 0.682 في عام 2023.
واقعيا، يقول الباحث الأكاديمي عبد الكريم الكعداوي، يبرز هذا المتوسط الاختلال المتواصل في العدالة المجالية، بسبب الفجوة الكببرة والمستمرة بين الجهات، إذ تسجل جهة الرباط-سلا-القنيطرة أعلى قيمة (0.769)، بينما تُسجل منطقة طنجة-تطوان-الحسيمة أدنى قيمة (0.604).
واسترسل الكعداوي في تصريح لـpjd.ma، كما يطرح المؤشر مجموعة من التحديات المرتبطة بالمساواة في وصول جميع الفئات المجتمعية إلى الخدمات الأساسية، خاصةً الصحة والتعليم والسكن. ومعالجة معدلات البطالة المرتفعة، خصوصا لدى الشباب، والحاصلين على شواهد عليا بوجه التحديد.
وأضاف المتحدث ذاته، وهي كلها تحديات تسائل واقع إنتاج الثروة وتوزيعها، كما ورد في خطاب ملكي سابق، بحيث أن التقدم الحاصل منذ سنوات لا ينعكس على المستوى المعيشي للمواطن ورفع دخله الفردي.
زيادة على ذلك، يتابع الكعداوي، فإن الإعلان عن المؤشر يأتي في سياق الاستجابة الاستباقية التي يقودها جلالة الملك بخصوص آثار التغيرات المناخية، لاسيما الإجهاد المائي وتراجع الإنتاج الفلاحي من المواد الموجهة لتلبية الاحتياجات الداخلية، وبالتالي تحقيق الأمن المائي والغذائي والطاقي، وتعزيز البنيات التحتية المساهمة في خلق الثروة.
وموضوعيا، يقول الباحث الأكاديمي، يعتمد مؤشر التنمية البشرية على معايير عالمية قد لا تكون مناسبة لجميع البلدان، لاسيما ضمن السياقات الثقافية التي تولي اهتماما أكبر بالجماعة وليس بالفرد فقط. وهو يُنتقد لتركيزه على المتوسطات، مما قد يخفي الفجوة بين فئات المجتمع المختلفة، ويجعله سهل التلاعب من خلال تقديم الحكومات لمؤشرات تتجاهل مكامن النقص.
وتابع، إضافة إلى ذلك، فإن المؤشر لا يتكيف بشكل سريع مع المتغيرات العالمية، مثل تلك المتعلقة بالمناخ والصراعات والهجرة، مما قد يجعله غير دقيق في العديد من الحالات، ولا يراعي اعتبارات الاستدامة من حيث النظر إلى الإسقاطات المستقبلية للجهود العامة.
وأردف، فمثلا، وعلى الرغم من ارتفاع مستويات التنمية البشرية في سويسرا (الثالثة عالميا في 2024)، إلا أن معدلات الانتحار لا تزال جد مرتفعة (10.8)، وأعلى بكثير من المتوسط العالمي (7.4 لكل 100 ألف نسمة). نفس الشيء يمكن أن ينطبق على مناطق الصراع والحروب، حيث تبرز مؤشرات مرتفعة نسبيا، لا تنعكس بالضرورة على المكون البشري للتنمية المستدامة، باعتباره وسيلتها وغايتها في نفس الوقت.
وفي المجمل، يقول الكعداوي، فإن المقارنة بين الدول، وفق مؤشر التنمية البشرية بشكل منعزل، تبقى غير مثمرة، وهو ما دفع إلى محاولة تعزيز أو تعديل هذا المؤشر بمؤشرات أخرى (الفقر، السعادة، الخ.).
وخلص الباحث الأكاديمي إلى أنه، ورغم كل هذه الملاحظات، يمكن استثمار هذا المؤشر لمعالجة الاختلالات التي قد تعتري التدبير العمومي، وتسطير الأولويات والاستراتيجيات المناسبة بشأنها.