[ After Header ] [ Desktop ]

[ After Header ] [ Desktop ]

[ after header ] [ Mobile ]

[ after header ] [ Mobile ]

المجلس الأعلى للحسابات .. كلمة لابد منها للحفاظ على المكتسبات

أثار التقرير السنوي الأخير للمجلس الأعلى للحسابات برسم 2022-2023 زوبعة غير مسبوقة من النقاشات وردود الفعل لا سيما فيما يخص الفصل الثالث من التقرير المخصص لتدقيق الحسابات السنوية للأحزاب السياسية برسم 2021؛ وفحص حسابات الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والحملات الانتخابية للمترشحين برسم 2021؛ وفحص مستندات الإثبات المتعلقة بصرف الدعم السنوي الإضافي الممنوح للأحزاب السياسية لتغطية المصاريف المترتبة على المهام والدراسات والأبحاث برسم سنة 2022.
وهنا لا بد من التأكيد في البدء أن حزب العدالة والتنمية يقدر عاليا الأدوار التي أناطها الدستور بالمجلس الأعلى للحسابات بصفته الهيأة العليا لمراقبة المالية العمومية، وتكليفه بمهمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة بالنسبة للدولة والأجهزة العمومية. كما يعتبر الحزب قيام المجلس بمهمة تدقيق حسابات الأحزاب السياسية وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية وبصرف الدعم السنوي الإضافي، يدخل في صميم المراقبة على المال العام، وذلك باعتبار أن الأحزاب السياسية يجب أن تعطي المثال والقدوة في الامتثال للقوانين واحترام قيم الحكامة الجيدة والشفافية ومبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة عند صرفها للدعم العمومي الذي تتلقاه، وهو ما يحرص عليه الحزب بشكل كبير.
وعليه، وتقديرا من الحزب للمكانة المؤسساتية التي بوأها الدستور للمجلس الأعلى للحسابات، وحرصا منه على أن يحافظ المجلس على الثقة والمكتسبات التي حققها والميزات التي طبعت عمله طيلة سنوات خلت وهي ميزات تم بناؤها ومراكمتها من طرف المجلس عبر سنوات عديدة من العمل المهني الجاد والمسؤول والمحايد، فإنه يرى من واجبه أن يتفاعل مع ما ورد في هذا التقرير من توصيات بصفة عامة وتلك المتعلقة بحزب العدالة والتنمية على وجه الخصوص، من خلال الملاحظات التالية:
1- لقد اعتمد المجلس منهجية جديدة وتبويبا جديدا لتقريره السنوي يتمحور حول سبع فصول، حيث خَصَّصَ الفصل الأول للأنشطة القضائية للمحاكم المالية؛ والفصل الثاني للتصريح الإجباري بالممتلكات؛ والفصل الثالث لتدقيق حسابات الأحزاب السياسية وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية وبصرف الدعم السنوي الإضافي؛ والفصل الرابع لتتبع أوراش الإصلاحات الكبرى؛ والفصل الخامس لمراقبة التسيير وتقييم البرامج والمشاريع العمومية في القطاعات المالية والإدارية؛ والاجتماعية؛ والإنتاجية والبنيات الأساسية؛ والتنمية المجالية وتدبير المرافق العمومية الترابية، والفصل السادس لتتبع تنفيذ التوصيات. إلا أن الملاحظ هو أن هذه المنهجية الجديدة وهذا التبويب الجديد كان مؤداهما مراقبة التسيير وتقييم الأوراش والبرامج والمشاريع العمومية بالتركيز على موضوعها ودون ذكر الأسماء في الفصلين الرابع والخامس من التقرير، في حين اعتمد التقرير في فصله الثالث التفصيل وذكر الأسماء فيما يتعلق بالأحزاب السياسية، وهي ازدواجية معيبة في منهجية التقرير تخلف انطباعا مغلوطا لدى الرأي العام حول مرتكبي الاختلالات وتركيزا بالأساس على الأحزاب السياسية دون غيرها من القطاعات والإدارات والمؤسسات والأجهزة العمومية، بالرغم من حجم الأموال العمومية الهائلة التي تتصرف فيها هذه الأخيرة. لذا، فإن المطلوب هو اعتماد نفس المنهجية الصارمة والتفصيل في حق كل من يتصرف في المال العام: قطاعات حكومية ومؤسسات وأجهزة عمومية، وأحزابا، ونقابات، دون إغفال السلطات الإدارية والترابية.
2- إن تأكيد التقرير -مرة أخرى- على أن حزب العدالة والتنمية لم يقم بإرجاع الدعم غير المستحق برسم الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2021، بالرغم من أن الحزب سبق وأكد في جوابه على هذه الملاحظة منذ إثارتها -أول مرة- من طرف المجلس، بأن الحزب اتفق مع وزارة الداخلية على الأداء عبر ثلاث دفعات متساوية خلال سنوات 2022 و2023 و2024، وسلم آنذاك للمجلس نسخة من الاتفاق، وبالرغم من أن الحزب وَفَّى بهذا الاتفاق وأدى الثلث الأول بتاريخ 25/04/2022، والثلث الثاني بتاريخ 30/03/2023، والثلث الثالث والأخير بتاريخ 24/01/2024، ومع ذلك يعيد التقرير نفس التوصية في كل سنة ويدعو الحزب إلى إرجاع المبلغ المتبقي دون مراعاة هذا الاتفاق الرسمي ودون مراعاة وفاء الحزب وأدائه، وهو ما يخلف انطباعا سلبيا لدى الرأي العام دون موجب حول توصية استوفت غرضها.
3- وبخصوص الدعم العمومي السنوي الإضافي المخول للمهام والدراسات، لم يشر المجلس بالرغم من أن الحزب حرص على إخباره بذلك إلى أن حزب العدالة والتنمية هو الحزب الوحيد الذي اعتمدت أمانته العامة في اجتماعها بتاريخ 12 نونبر 2022، وبمبادرة ذاتية منها وقبل الشروع في صرف هذا الدعم منهجية ومسطرة تتضمن أربعة مراحل: 1. مصادقة الأمانة العامة على لائحة المهام والدراسات والأبحاث المقترحة والجهة المشرفة والجهة المنفذة؛ 2. تكليف الهيئة المشرفة على المهمة أو الدراسة أو البحث بتحضير الشروط المرجعية؛ 3. تكليف الهيئة المشرفة على المهمة أو الدراسة أو البحث بمتابعة التنفيذ وفق الشروط المرجعية، 4. تكليف لجنة تتضمن ممثلين عن الأمانة العامة والإدارة العامة والهيئة المشرفة بتسلم المنجز برسم المهمة أو الدراسة أو البحث قبل الأداء، وذلك استدراكا من الحزب للفراغات والنقائص التي طبعت المرسوم المتعلق بتحديد كيفيات توزيع الدعم الممنوح للأحزاب السياسية وطرق صرفه، كما أشار إلى ذلك المجلس بنفسه.
4- قد يكون الحزب قد أخطأ في احتساب نفقة تبلغ 14.400 درهم لطبع 2000 نسخة من دراسة أنجزها -مجانا وبطريقة تطوعية- عضو من الحزب ضمن الدعم السنوي الإضافي المخصص للمهام والدراسات، وقد كان بإمكان الحزب ومن حقه احتسابها ضمن الدعم العمومي العادي وهو ما يمكن تصحيحه واستدراكه، لكن في المقابل فإن المجلس أخطأ ثلاث مرات:
المرة الأولى، حين اعتبر دون أساس قانوني أن نفقة طبع ونشر الدراسات تدخل ضمن مصاريف التدبير ولا تدخل ضمن الغايات التي منح من أجلها الدعم الإضافي لتغطية مصاريف إنجاز المهام والدراسات والأبحاث، في حين أنه لا القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، ولا المرسوم المتعلق بتحديد كيفيات توزيع الدعم الممنوح للأحزاب السياسية وطرق صرفه، ولا القرار المشترك المتعلق بالمخطط المحاسبي الموحد للأحزاب لم تحدد بدقة مجالات صرف الدعم العمومي الخاص بإنجاز المهام والدراسات؛
والمرتان الثانية والثالثة، حين أشار التقرير عدة مرات إلى أن حزب العدالة والتنمية قام بأداء نفقة بمبلغ 14.400 درهم تتعلق بطبع ونشر دراسة حول مدونة الأسرة ورهانات المراجعة “لفائدة أحد الأطر الحزبية”، وحين أكد أن الحزب قام بالتعاقد مع إطار من الحزب (م.خ ) لإنجاز هذه الدراسة، وهو تعاقد اختلقه التقرير من عنده حيث لم يسبق للحزب أن أبرم أي تعاقد مع ما سماه التقرير “إطار من الحزب (م.خ )”، ولا يتوفر المجلس بذلك على أية وثيقة تتضمن تعاقد الحزب مع الأخ مصطفى الخلفي، بل إن الحزب أدلى للمجلس بفاتورة يثبت من خلالها أنه أدى مبلغ 14.400 درهم للمطبعة التي قامت بطبع الدراسة التي أعدها مجانا للحزب الأخ مصطفى الخلفي، وهي فاتورة تحمل اسم المطبعة وعدد النسخ المطبوعة ومبلغ طبع النسخة الواحدة، وهو اختلاق لحالة فساد وهمية ولا وجود لها أصلا، مع العلم أن المجلس يتوفر على كل الإثباتات التي تنفي نفيا قاطعا ما أكده التقرير، وقد كان أحرى بالمجلس أن يبادر إلى تصحيح هذا الخطأ المسيء عبر بلاغ رسمي باعتبار أن هذا الخطأ ارتكب في تقرير رسمي، وهو ما من شأنه أن يعلي من شأن المجلس ومن مصداقية تقاريره لكونه سيبدي تفاعلا محمودا وكونه لا يجد حرجا في استدراك وتصحيح أخطائه ورفع الإساءة التي نجمت عن هذا الخطأ.
5- إن تنصيص التقرير على أن الاحزاب السياسية لم تدل بجل مخرجات وتقارير المهام والدراسات والأبحاث الملتزم بها، مجانب للصواب وفيه تغليط للرأي العام، والحقيقة أن حزب العدالة والتنمية هو الحزب الوحيد الذي أدلى بمخرجات دراستين تم إنجازهما كليا وقام بأداء مستحقاتها، وهو ما استدركه التقرير حين أفرد الحديث عن العدالة والتنمية فيما بعد ولم يشر إلى ذلك في خلاصته وهو ما يعطي الانطباع أن كل الأحزاب المستفيدة من الدعم الإضافي تصرفت بنفس الطريقة وامتنعت عن الإدلاء بنسخ من الدراسات المنجزة، وهو أمر غير صحيح.
6- لقد طبق المجلس معايير مزدوجة فيما يتعلق بإرجاع المبالغ غير المستعملة من الدعم الإضافي المخصص للمهام والدراسات، حيث طالب المجلس في رسالته الموجهة للحزب بإرجاع مبلغ الدعم غير المستعمل وهو (الفارق بين مبلغ الدعم المتوصل به ومبلغ الدعم المؤدى لمنفذي الدراسات)، في حين طالب بقية الأحزاب السياسية المستفيدة من الدعم الإضافي بإرجاع مبلغ الدعم غير المستعمل وطالبها بقاعدة مغايرة وهي (الفارق بين مبلغ الدعم المتوصل به ومبلغ الدعم الملتزم به مع منفذي الدراسات)، وليس المبلغ المؤدى، وهو ما يطرح سؤال ازدواجية المعايير التي يطبقها مراقبو المجلس بين الأحزاب السياسية.
وفي الختام، وبالرغم من هذه الملاحظات التي كان من الواجب إبرازها تفاعلا مع تقرير المجلس الأعلى للحسابات وتنويرا للرأي العام ومساهمة في النقاش العمومي الذي أثاره هذا التقرير، يجدد الحزب تأكيده على أهمية المجلس وأدواره الأساسية في تخليق الحياة العامة وتجويد حكامة وشفافية صرف الأموال العمومية، وما يستصحب ذلك من واجب مراعاة القواعد والالتزامات التي تطوق المراقبين الماليين، والحرص على تطبيق نفس المنهجية والمبادئ الأساسية للرقابة المالية والمحاسبة اتجاه جميع الفاعلين المعنيين، بما يضمن جودة وشفافية العمليات الرقابية، ويعزز مصداقية تقارير المجلس لدى الهيئات المعنية ولدى الرأي العام، وبما يرفع في المحصلة من شأن المؤسسات لدى المواطنين والمواطنات ويعزز الثقة بينهم وبين المسؤولين المركزيين والترابيين الْمُعَيَّنِينَ وَالْمُنْتَخَبِينَ على حد سواء.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.