محمد عصام يكتب: أغلبية أخنوش والصعود إلى الشجرة
محمد عصام
انعقد أمس الخميس اجتماع لهيئة رئاسة الأغلبية، وهو الانعقاد الذي لم يشذ عن القاعدة منذ مجيء هذه الحكومة، حيث إن الانعقاد في حد ذاته يشكل “لا حدث”، أولا باعتبار أن هذه الاجتماعات لم يعد المواطن ينتظر منا شيئا ذا بال، فإذا كانت الحكومة بكل وزرائها وبرئيسها حتى، لم تعد تغني ولا تسمن من جوع، فماذا سينتظر المواطن من اجتماع ” ليس وراءه” عمل بلغة الفقهاء .
ثانيا، لقد عودتنا هذه الحكومة وأغلبيتها، أن مثل اللقاءات موجهة أساسا للداخل المهترئ لأحزاب التحالف، وضخ جرعة من “المنعشات” على أمل أن يحافظ هذا الجسد المريض على “بقية حياة” إلى إشعار آخر.
والشاهد هنا هو الهدف الحقيقي والعنوان الوحيد الذي لخص هذا الاجتماع وهو ما ورد في الفقرة الأخيرة من اتفاق الأغلبية على ترشيح الطالبي العالمي لمواصلة رئاسة مجلس النواب، بعد الذي راج من تصدع داخل الأغلبية في هذا الباب.
والباقي هو فقط تأثيث للبلاغ، إذ وكعادتها استغلت الأغلبية هذا الاجتماع لتعبر عن الارتياح الذاتي قبل الأوان ودون سياق بخصوص “تثمين الحصيلة المرحلية المشرفة جدا للعمل الحكومي خلال نصف الولاية الحكومية”.
حيث إن الأغلبية استبقت الجلسة الدستورية المخصصة لعرض الحصيلة المرحلية للحكومة وتبنت أسلوبا موغلا في الادعاء الذي لا تزكيه الوقائع والمؤشرات وهو ما سنناقشه في الفقرات المقبلة، وهو ما يعني أنه ومن الآن هناك إصرارا على إفرغ لحظة تقديم حصيلة نصف الولاية من محتواها الدستوري والسياسي، والصعود إلى الجبل والإدعاء بأن “العام زين” ومحاولة معاكسة الواقع والتغطية على الحصيلة الحقيقية التي يحس بها المواطن وتدعمها المؤشرات والأرقام.
فإذا أخذنا بعين الاعتبار ما جاء في البرنامج الحكومي من الالتزامات، فالحصيلة التي لن تخطئها العين المتجردة والموضوعية، هي حصيلة صفرية بكل المقاييس.
الالتزام الأول والذي هو إحداث مليون منصب شغل صافي على الأقل خلال الخمس سنوات المقبلة، والثاني برفع نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30% عوض 20% حاليا، فشلت فيهما الحكومة فشلا ذريعا حيث وصلت نسبة البطالة مستوى غير مسبوق بلغ 13،5 % حسب التقارير الرسمية. كما أن المغرب فقد 157 ألف منصب شغل سنة 2023 حسب تأكيدات المندوبية السامية للتخطيط بعد ان فقد 24 الف سنة 2022، ونسبة نشاط النساء في تراجع ولم تتعدى 19%.
وبالنسبة لالتزام تفعيل الحماية الاجتماعية، فالحكومة مطالبة بمصارحة المواطنين عوض الاختباء وراء كون المشروع مشروعا ملكيا، ذلك أن الحكومة هي المسؤولية على حسن تنفيذ الرؤية الملكية في هذا الملف الاستراتيجي والهيكلي الهام، لكن المؤشرات كلها تنبئ عن تعثرات كبيرة وارتباكات متعددة في تنزيل هذا الورش، بدءا من حرمان ما يزيد عن 7,5 مليون مواطن كانوا يستفيدون في السابق من نظام المساعدة الطبية المجانية “راميد”، ومرورا بما يقع هذه الأيام من حرمان مواطنين سبقت لهم الاستفادة من الدعم المباشر، بدعوى مراجعة المؤشر، لتجد أسر صرحت بامتلاكها هاتفا نقالا أو دراجة نارية أو استفاد أحد أبنائها من منحة دراسية جامعية، نفسها وبدون سابق إنذار خارج الاستفادة، ورغم ذلك فالحكومة لم تخرج للمواطنين لكي تضعهم في الصورة وتشرح لهم الذي يجري بالضبط.
بالنسبة للتعليم الذي اعتبرته الحكومة أولوية، لا أدري كيف سيأتي رئيس الحكومة للبرلمان، وأي مؤشرات سيعتمد عليها ليقول لنا أنه حقق ما لم يسبقه إليه الأوائل، والمغاربة جميعا يشهدون أن أسوأ سنة دراسية في تاريخ المغرب بلا مبالغة، هي هذه التي مرت في ظل هذه الحكومة، إذ تسبب تعنت الحكومة وقلة حيلتها وتفضيلها لسياسة لي الذراع ومحاولة الالتفاف على وعودها، إلى إضاعة ثلاثة أشهر ونيف من الزمن المدرسي وهدره بشكل بشع لم يسبق له مثيل، ولكن للأسف أنا متأكد أن رئيس الحكومة سيقفز على هذه الحقيقة، وسيعيد تكرار ما سبق له أن قاله في إحدى جلسات السياسة العامة، من الأمر لا يتعلق بثلاثة أشهر بل بساعات أوأيام معدودات، وكأنه يتحدث عن مغرب آخر غير الذي نعيش نحن فيه.
الرهانات والإصلاحات المطروحة على المدرسة العمومية كلها فشلت، بل ومنذ بداية هذه الحكومة لمسنا توجها ممنهجا في معاكسة القانون الإطار وأيضا الرؤية الاستراتيجية الملزمة للحكومة، وتوجت الحكومة كل ذلك بتوقيع اتفاقية قرض مع فرنسا لتكريس هيمنة اللغة الفرنسية في منظومتنا التعليمية، والانقلاب على سياسة التناوب اللغوي والانفتاح أكثر على اللغة الإنجليزية.
ونفس الأمر يمكن قوله بخصوص بقية الالتزامات.
الجديد الذي تلبست بهذه الحكومة وأداؤها، والذي يستحق الوقوف عليه، ولا أدري كيف سيناقشه رئيس الحكومة في محطة تقديم الحصيلة لنصف الولاية، ويتعلق بحصيلة المتابعات والاعتقالات في صفوف النخبة التي جاءت بها انتخابات 8 شتنبر، وهي نخبة يتحمل رئيس الحكومة المسؤولية السياسية والقانونية في وصولها إلى مواقع التمثيلية وأيضا بعضهم إلى مواقع المسؤولية الإدارية، ورئيس الحكومة أيضا يتحمل المسؤولية باعتباره رئيسا للإدارة.
فإن كان هناك مجال حققت فيه هذه الحكومة أرقاما تصاعدية، فهو مجال المتابعات القضائية التي تفجرت في وجه قيادات حزبية أغلبها ينتمي لأحزاب الأغلبية، فلو أننا كنا في دولة يحترم فيها السياسيون أنفسهم ويقدرون أصوات المواطنين، فعوض تقديم حصيلة نصف الولاية، كان الأولى تقديم اعتذار رسمي للشعب المغربي، والشروع على عجل في عملية تنقية واسعة لصفوف الأحزاب المشكلة للتحالف، وتقديم مقترحات لسد باب تسلل مثل هذه الكائنات المشينة للمشهد السياسي وللمؤسسات التمثيلية ومواقع المسؤولية، والرسالة الملكية التي بعثها جلالة الملك بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس البرلمان واضحة في هذا الباب، وتقتضي نقدا ذاتيا وصارما للذات الحزبية بكل تجرد وبلا هوادة، ولا أظن أن أحزاب الأغلبية قادرة على اجتراح مثل هذا النقد، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
ولهذه الأسباب ولأخرى أيضا، وعلى رأسها غرق رئيس الحكومة نفسه وأغلبيته في وحل تضارب المصالح، فإن ثقة المغاربة بها في الحضيض منذ اعتماد هذا المؤشر سنة 2008 من طرف المندوبية السامية للتخطيط، حيث كشف البحث الدائم حول الظرفية لدى الأسر، الخاص بسنة 2023، أن مؤشر الثقة لدى الأسر المغربية وصل إلى أدنى مستوياته على الإطلاق، ولم يتجاوز 44,3 في المائة، ما يعني العودة إلى حالة التدهور السريعة المُسجلة منذ أواخر الربع الرابع من سنة 2021، المتزامنة مع تولي حكومة عزيز أخنوش مهامها.
وعليه، فإن الأغلبية والحكومة ورئيسها سيقولون ما يريدون، وسيدعون ما شاؤوا، لكن المقياس الحقيقي والميزان الذي لا يكذب، هو مؤشر ثقة المغاربة بحكومتهم ورئيسها، وأن المحك الحقيقي لكل ادعاء هو قفة المواطن وانعكاس السياسات العمومية عليها، وما دون ذلك فهو مجرد كلام تذروه الرياح لا يسمن ولا يغني من جوع.