التليدي: ما يحدث في الجامعة الأمريكية دعما لفلسطين يمثل “ثورة غير مسبوقة”
اعتبر الباحث الأكاديمي بلال التليدي، أن ما يحدث في الجامعة الأمريكية هذه الأيام من دعم وتعاطف مع القضية الفلسطينية، يمثل في الجوهر ثورة غير مسبوقة، ستصير في القريب العاجل من دروس التاريخ المعاصر.
وذكر التليدي في مقال رأي بعنوان: “الربيع الأمريكي الطلابي“، نشره عبر القدس العربي، الخميس 26 أبريل 2024، أن ما يميز هذه التجربة ليس فقط عنفوانها الطلابي، ولا عجز الإدارة الجامعية عن السيطرة على الطلاب، ولا حتى فشل المؤسسات السياسية ف “إعادة الأمور إلى نصابها” بفعل التهديد والتذكير بالمترتبات القانونية الناتجة عن “معاداة السامية”، ولكن ما يميزها أنها ولأول مرة تجعل من الحدث الخارجي عنوانا لحراك داخلي تَمَردَ على كل الأنساق.
وأضاف، كما “وضع النموذج الأمريكي في مأزق يصعب الخروج منه، بل ووضع الحزب الديمقراطي في ورطة غير مسبوقة في تاريخه، وجعل مفهوم حرية التعبير وممارستها في التجربة الأمريكية يدخل في دائرة الاختبار والمساءلة”.
وذكر التليدي أن ثمة أربعة مؤشرات قوية على أن الحراك الجامعي الأمريكي بلغ مستوى غاية في الحساسية والتأثير؛ وأولها أنه مس الجامعات العريقة ذات السمعة والأثر الدولي، فجامعة كولومبيا تعتبر من أكبر الجامعات الأمريكية، وتربطها شراكات واسعة وكبيرة مع عدد من الدول المتقدمة، ويربطها تعاون علمي وثيق مع الكيان الإسرائيلي، ودورها في تطوير العلوم والتكنولوجيات العلمية بلغ أعلى المستويات.
واسترسل، والثاني، أن الحراك فيها صار ملهما للجامعات الأخرى، التي وصلها شرر الاحتجاج والاعتصام، والتقدير أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأمريكية أعطت إشارة تحذير جدية إلى الإدارة الأمريكية والمؤسسة البرلمانية للتحرك العاجل، قبل أن تصير الحالة عامة في كل الجامعات الأمريكية، لاسيما منها العالمية ذات التأثير الواسع.
وأضاف، والثالث، أن سرعة تحرك الإدارة الأمريكية، ومجلس النواب الأمريكي، بمسمى تحصين المجتمع الأمريكي من مخاطر “معاداة السامية” والتهديد الذي تلقاه مسؤول الجامعات الأمريكية بالعزل من المسؤولية في حال عدم القدرة على السيطرة، يبين في الواقع درجة حساسية هذا الحراك.
وأما المؤشر الرابع، يسترسل التليدي، فهو التحاق قاعدة مؤثرة من الأساتذة والباحثين من المشهود لهم بالتميز العلمي باعتصامات الطلاب، وانخراطهم في معركة فضح تزييف الوعي التي يقوم بها الإعلام الأمريكي، كل ذلك يشي بأن الحراك الطلابي الأمريكي قد خرج بالفعل عن السيطرة، وأنه لم يعد هناك أي سيناريو فوق الطاولة للتعامل معه سوى المقاربة الأمنية ولازمتها القضائية.
واعتبر الكاتب أن أبرز ما يميز الاحتجاج اليوم، أنه يستهدف رؤية الدولة وتحالفاتها الاستراتيجية، مما لم يكن من قبل أبدا موضوع مناكفة مجتمعية إلا في حدود جد ضيقة، يتم استيعابها ضمن هوامش النموذج الديمقراطي، فالاحتجاج يرفع العنوان ذاته الذي يرفعه النموذج الأمريكي (الدفاع عن حق الإنسان في الحياة والكرامة)، ويناضل بنفس الشعار الذي تستثمره الإدارات الأمريكية في تبرير تدخلها أو هيمنتها على بعض الدول (الإبادة الجماعية).
وأوضح أن المؤثر في هذا الاحتجاج هو أنه يسائل سلوك الدولة الأمريكية، وسياستها الخارجية، ويقيس أفعالها إلى أقوالها، وتصرفاتها إلى نماذجها القيمية والحقوقية، ويتحرى ذكاءً براغماتيا عجيبا حينما يمحض القضية في رفع المعاناة الإنسانية عن الشعب الفلسطيني، ومقاومة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها، دون أن يسقط في فخ ما يسمى أمريكيا بدعم “الحركات الإرهابية”.
وتوقف التليدي عند ما ورد عن مركز بيو للدراسات، والقائل إن 60 في المئة من الشباب الأمريكي التي تتراوح أعمارهم ما بين 18 و29 يساندون الشعب الفلسطيني في معاناته، مقابل 46 في المئة تساند إسرائيل، والقائل أيضا إن 58 في المئة من الأمريكيين يرون أنه يجب السماح بحرية التعبير لمعارضة حق إسرائيل في الوجود.
وشدد أن هذه الأرقام تعكس في الجوهر سقوط أطروحة التحكم الثقافي الأمريكي، مبرزا أن “الأجيال الجديدة في أمريكا، تبعا لهذه الأرقام، أحدثت اختراقا كبيرا، يصعب ردمه أو تجاوزه، لأن الفئة السنية ما بين 18 و29 هي مستقبل أمريكا والعينة التي تعكس نوع الثقافة والمزاج الذي ستحمله”.
وقال إن “صناع القرار السياسي الأمريكي يعرفون أنهم في ورطة جيلية استراتيجية، لكنهم يحاولون الاشتغال على المدى القريب فيشغلون منطق “نتخلص من المشكلة اليوم وبعدها لكل حادث حديث” لكنهم في هذه السياسة نفسها، لا يجدون غير المقاربة الأمنية، التي تستعمل الأوراق التي لأجلها يتم الانتفاض اليوم”.
وخلص التليدي إلى أن أسباب الربيع الطلابي الجامعي الأمريكي توجد في الفظائع الصهيونية والدعم الأمريكي، وأن الحل لا يمكن أن يأتي إلا من خلال إيقافها، وألا يرى الشباب الأمريكي المال الذي يدفعه الأمريكيون من جيوبهم في شكل ضرائب، يتجه لدعم إبادة جماعية نشأوا على رفضها وإدانتها، فكيف يسوغ لهم قبولها اليوم، وكيف يتم منع حريتهم في التعبير من الاحتجاج إليها باستعمال تهمة معاداة السامية؟