محمد عوام
لا يخفى أن للمصطلح تأثيرا كبيرا في الحقل المعرفي، وكذلك في الساحة العلمية، لذلك كان من قواعد العلم تحرير المصطلح وبيان المراد منه، حتى يسهل التخاطب والتفاهم والتقارب، لأجل ذلك كانت المصطلحات وما زالت تشكل البنية المعرفية للعلوم، ومن غيرها لا تستقيم، ولا ترتقي.
ثم إن كثيرا من التشغيبات والتلبيسات تقع من جراء عدم وضوح الرؤية المصطلحية. وكذلك فإن المصطلحات مرتبطة بالخلفية التصورية والعقدية للبيئة العلمية أو الثقافية أو الاجتماعية التي نشأت فيها، وتحكمها مقولات معرفية متعلقة بتلك البيئة. وهذا يحتاج إلى بيان موسع ليس موطنه الآن، ولا يسعه هذا الحيز للحديث عنه بإسهاب.
من مبتكرات التيار العلماني اللاديني في هذه السنوات الأخيرة مصطلح “العلاقات الرضائية“، وهو مصطلح ينبني عند أصحابه على تحرير معنى الجنس، من كل القيود والضوابط الشرعية والمجتمعية، بناء على رضا الطرفين الرجل والمرأة مادام راشدين عاقلين، من غير التفات إلى أثر وعواقب فعلهما وضررهما على المجتمع.
والمقصود من هذا المصطلح هو ضرب المصطلح الإسلامي الشرعي الأصيل، الذي تشربته النفوس، وله وقع فعال عليها، وهو مصطلح الزنا، الذي يعتبر أي ممارسة جنسية خارج ضوابط الشرع وأركانه ومقاصده تعتبر جريمة وكبيرة، بغض النظر عن رضا الفاعلين لها، لأن الله تعالى حرم هذه العلاقة، ولم يعتبر فيها الرضا، لأن الشريعة من مقاصدها مخالفة الهوى، وكما قال الإمام الشاطبي رحمه الله: “والمقصد من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدا لله اختيارا كما هو عبد لله اضطرارا.” وكل ما يخالف الشرع فهو باطل.
غير أن الغريب أن يستعمل مصطلح “العلاقات الرضائية” في امتحان التربية الإسلامية، ويتم السكوت أو تشطيب مصطلح الزنا، فكأني بأصحاب السؤال يسوقون للمصطلح الآخر والتطبيع معه، وإلا نتساءل ما الداعي لإدراجه في الامتحان، فهل هو مصطلح متفق عليه علميا واجتماعيا حتى يتسنى استعماله؟ هل افتقدنا المصطلح الإسلامي الدال على ذلك الفعل الشنيع القبيح حتى يخولنا ذلك استعماله أم هو إرضاء لتيار لا وزن له في المجتمع على حساب الشريعة وفي مادة تعبر عن ثوابت الأمة المغربية وموافقة لما عليه دستور المملكة؟!!
كل هذه الأسئلة وغيرها تجعلنا نذهب إلى أن الجهة التي صاغت السؤال وأدخلت فيه مصطلحا غريبا ودخيلا ومسموما يشك المرء في براءتها ومصداقيتها؟
دائما تفاجئنا السياسة المتبعة في صياغة الأسئلة كل سنة بكارثة من الكوارث، تخالف فيها الشريعة الإسلامية، وثوابت المملكة، وما عليه كافة المغاربة باستثناء تلك الشرذمة القليلة من أمثال وهبي وبوعياش، اللذان روجا وسوقا بوقاحة لمصطلح العلاقات الرضائية، ودعيا للزنا جهارا، فهنا يحار المرء وتأخذه “الدهشة” والاستغراب كيف يؤخذ بكلام هؤلاء في امتحان يعبر عن هوية الدولة المغربية ملكا وشعبا، فيسوق لمصطلح فاسد مسموم دخيل على حساب مصطلح إسلامي أصيل.
إن ما يسمونه علاقات “رضائية” هو الزنا بعينه، المحرم شرعا، والذي لا يقبله أحد، حتى معاجم الدنيا كلها، وفي جميع اللغات تفرق بينه وبين الزواج، فالزواج هو العلاقات الرضائية، والزنا هو العلاقات السخطية، لكن التيار الزنائي يأبى إلا أن يميع المصطلحات، ويخرب البلاد، ويقضي على الحرث والنسل بنشره الفساد، فالعقلاء ينظرون إلى الأعلى والبلداء ينظرون إلى الأسفل، كأن عقولهم ملتصقة بفروجهم، بها يفكرون، وعلى ضوئها يتحركون ويقررون، فأي انتكاسة أخزى من هذه، وأي مهواة اندحر فيها هؤلاء؟!!