محمد عصام يكتب: إهانة البرلمان والدستور أو سقطة أخنوش الكبرى!!
محمد عصام
سيسجل التاريخ السياسي للمغرب، أن أخنوش اقترف ما لم يسبق لرئيس حكومة أو وزير أول أو حتى مجرد وزير أن اقترفه داخل مؤسسة دستورية من حجم البرلمان، وذلك حين قال أمس الإثنين “الهضرة ديالكم” يقصد النواب البرلمانيين” ما كتهمنيش” وهي سقطة لو كنا في بلد آخر غير المغرب لكلفته “الكبوط”.
لقد أهان أخنوش بل “شتف شتفا” مع سبق الإصرار والترصد، على البرلمان وعلى الدستور وعلى السياسة وعلى نفسه أيضا، وبوأ نفسَه مقعدا مستحقا في قاع الحضيض، وارتكب جريرة عظمى بمقياس السياسة وبموازين الدستور.
فما معنى أن يكون كلام النواب البرلمانيين، المفترض فيه دستوريا أن يتأرجح بين أن يكون رقابة أو تشريعا أو تقييما للسياسات العمومية، غير مهم للسيد رئيس الحكومة الذي منذ بداية ولايته إلى الآن وبسند من أغلبيته المتحكمة والمتعجرفة، يحاول بكل ما أوتي من مناورة واحتيال التهرب من استحقاقات الفصل 101 من الدستور، بل إنه وأغلبيته وطيلة هذه المدة مارسا كل أنواع التحكم والترويض والكبح لصلاحيات البرلمان، وتجريده من آليات الرقابة وتقليم أدواتها.
إن ذلك يعني بالمختصر المفيد أن السيد رئيس الحكومة لا يعبأ بالدستور ولا يحترم اختصاصات المؤسسة الدستورية التي يتكلم داخلها، وهو مطالب وبسرعة بالاعتذار أولا للشعب المغربي، وثانيا لمجلس النواب الذي يستمد شرعيته من تمثيل الأمة وإرادتها، وإلا فما عليه إلا أن يقدم استقالته، وكفى الله المؤمنين بالديمقراطية “القتال”.
إن هذه السقطة الكبرى، تعكس الخواء السياسي الذي يجسده أخنوش ومعه حزبُه ومعهما من والاهُم، فأخنوش الذي سقط بــــ “البراشيت” وبفعل “فاعل مضمر” في السياسة، ووجد نفسه رئيسا للحكومة وهو الذي صرح بملء فيه عقب انتخابات 2011 التشريعية بإنه سيغادر السياسة بلا رجعة، يمثل الدرجة “الصفر” في السياسة وفي تبخيس المؤسسات الدستورية خصوصا تلك التي تمارس الرقابة، ذلك أن المتلبسين بتضارب المصالح وزواج المال بالسلطة، تكون عقدتهم الأبدية هي الرقابة عينُها خصوصا إذا كانت مؤسسية ومحمية بالدستور.
فلا غرابة إذن أن تصدر تلك الخطيئة عن أخنوش، فهي فقط تكشف مكنوناته المضمرة تجاه البرلمان وتجاه الدستور نفسِه، وتعرِّيه ومعه النخب التي أتى بها تسونامي 8 شتنبر، فآخر ما يفكر فيه أخنوش هو البرلمان، وهذا ما يفسر تهربه من الجلسات الشهرية المتعلقة بالسياسات العامة، بتواطؤ مع أغلبية المستحوذة على أجهزة المجلس.
أخنوش لم يكتف في تلك الجلسة بتلك الخطيئة بل زاد عليها إثما سياسيا ودستوريا لا يقل عنها، حين اعتبر أن الذي يهمه هو “ما يقوله المواطنون الذين صوتوا عليه”، وهو بذلك يقصي كل من لم يصوت عليه ويعتبره ما يقوله غير ذي نفع أو لا يهمه في شيء، وهذا أيضا فيه تحلل من الدستور ومن ثقة جلالة الملك كذلك، حيث أن الدستور يتحدث عن رئيس الحكومة باعتباره رئيسا لحكومة المملكة المغربية بكل من فيها من عموم المواطنين الذي صوتوا لحضرته وهم على كل حال أقلية، والذين لم يصوتوا عليه، وجلالة الملك حين يعين رئيس الحكومة فإنه يعين رئيس حكومة لكل المغاربة، وليس رئيسا تأخذه شطحاته و”العزة بالإثم” ليقيم تمييزا بين من صوت عليه ومن لم يصوت، فيهتم فقط بمن صوت عليه ويلغي الآخرين بجرة “لسان”.
باختصار إن السياسة تحتضر مع أخنوش ومن معه، والدستور والمؤسسات يتم إهانتهما في وضح النهار وعلى رؤوس الأشهاد، مما يطرح سؤال المصير وإلى أي مجهول يتم اقتياد البلد بهذه العينة من نخب الخواء السياسي؟ أو بتعبير أهل الغيوان “فين غادي بيا أخويا فين غادي بيا .. دقة تابعة دقة.. شكون إحد الباس”؟