حوار.. نور الدين يقرأ أسباب صعود اليمين المتطرف بفرنسا وأوربا وتأثيراته السياسية
أكد أحمد نور الدين، الخبير في العلاقات الدولية، أن النتائج التي حصل عليها اليمين المتطرف في فرنسا، هو نتاج فشل الرئيس إيمانويل ماكرون، في قضايا داخلية وخارجية.
وشدد نور الدين في حوار مع pjd.ma، أن لجوء الرئيس إلى انتخابات مبكرة ستجعل اليمين المتطرف يحل متقدما في أغلب القراءات، مما سيجعل الحكومة بيده، ويضطر ماكرون إلى التعايش مع هذا الوضع.
ونبه المتحدث ذاته، إلى أن صعود اليمين المتطرف، سواء في فرنسا أو أوربا عامة، يحمل مخاطر جمة على المهاجرين والأجانب، بسبب معاداة هذا التوجه السياسي/القومي للمهاجرين، وتحميله إياهم جزءا من مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية في الاتحاد، وخاصة على مستوى الشغل.
وهذا نص الحوار كاملا:
ــــــ أظهرت الانتخابات الأوربية الأخيرة صعودا لليمين المتطرف، كيف قرأتم نتائجها؟
يمكن أولا أن أقول إننا إذا ركزنا على فرنسا التي حصل فيها اليمين المتطرف على نسبة عالية جدا تفوق 31 بالمائة إلى حدود 33 بالمائة، لأن النتائج مازالت ليست نهائية، فإن هذه النتائج تُعبر عن تدمر الناخب الفرنسي عموما من سياسات الرئيس إيمانويل ماكرون وحزبه، سواء على المستوى الداخلي أو الدولي.
ـــــ كيف ذلك؟
على المستوى الداخلي مثلا تفاقمت البطالة وارتفع التضخم، مما أثر على القدرة الشرائية لفئات عريضة من المواطنين الفرنسيين، بما فيهم الطبقة الوسطى، التي تُعتبر صمام الأمام للدولة وللتوازنات الاقتصادية،
في الوقت الذي استفادت منه مثلا كبريات الشركات الفرنسية من تخفيضات ضريبية أو على الأقل رفض الحكومة لفرض رسوم على الثروة، التي تطالب بها الأحزاب اليسارية..
إذا، تفاقم البطالة وارتفاع التضخم يخدم الأطروحات التي ينادي بها اليمين المتطرف، وسأعود لتبيان هذا.
وعلى المستوى الخارجي، فشل أيضا لسياسات الرئيس ماكرون، مما أدى إلى خدمة توجهات اليمين المتطرف، وعلى الخصوص في ملف الأوكراني، ذلك أن قرار الرئيس مؤخرا القاضي بالمشاركة عمليا وميدانيا في الحرب الأوكرانية، سواء من خلال إرسال ما يسمى خبراء، أو القرار القاضي بالسماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الفرنسية على غرار أسلحة بعض دول أعضاء حلف الناتو، ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهم، ولستعمال أسلحتهم ضد أهداف داخل التراب الروسي، وليس فقط في الحدود الأوكرانية، وإنما في العمق الروسي من طرف أوكرانيا.
يجب الانتباه إلى أن قرارا مثل هذا يعني شبه إعلان حرب على روسيا، وهو ما يشكل فزاعة للمواطنين في فرنسا وفي عموم أوروبا من عودة الحرب، ويدق ناقوس خطر عودة الحرب إلى أوروبا، وأيقظت هذه القرارات بين مزدوجتين “عفاريت الماضي” كما يقول المثل الفرنسي، في إشارة إلى الحرب العالمية الثانية أو الحروب التي مرت منها أوروبا، والتي أتت على الأخضر واليابس.
ــــ هل كانت لهذه القرارات المتحدث عنها الكلمة الفصل في الانتخابات؟
هذه القرارات تشكل استفزازا للمواطنين الذين لا يرغبون في دخول حرب من أجل بلد آخر، مع ما لها من تداعيات، إذن، هذا الفشل في السياسات الداخلية والخارجية، جعل اليمين المتطرف يجد في هذه العوامل أرضيه خصبة تعزز أطروحاته على المستوى الداخلي والخارجي.
فعلى المستوى الخارجي مثلا، نجد أن اليمين المتطرف يعارض تعريض أرواح الفرنسيين للخطر من أجل الدفاع عن بلد آخر غير فرنسا، سواء أكان أوكرانيا أو غير أوكرانيا، وهم يلتقون في رفض الحرب على روسيا مع اليسار الراديكالي أيضا، والذي يناهض الحرب مع روسيا، وإن كان لأهداف ربما إيديولوجية.
وهؤلاء، أي سواء اليمين المتطرف أو اليسار، يندرجون ضمن تيار ما يسمى بالسياديين، نسبة إلى السيادة، الذين يرفضون رهن القرار العسكري الفرنسي للحلف الأطلسي عموما وللولايات المتحدة خصوصا، لأن الدخول في الحرب مع روسيا هو في الحقيقة انبطاح أمام توجهات الولايات المتحدة بهذا الشأن، بالإضافة طبعا إلى تداعيات الحرب على روسيا على الاقتصاد الأوروبي، وقد رأينا جزءا منها بالنسبة للطاقة.
حيث إنه، وبعد أن تم منع استراد الغاز الروسي من طرف أوروبا، والذي كان لصالح الغاز المسال الأمريكي، كانت تداعياته كبيرة على ارتفاع كلفة الطاقة في أوروبا، وبالتالي أثر سلبا على الاقتصاد، وساهم في ارتفاع التضخم بالاقتصاد الفرنسي والأوروبي، وتبعا على جيوب المواطنين، من خلال ارتفاع الأسعار وكلفة العيش في هذه البلدان ومنها فرنسا.
ـــــ ماذا عن المستوى الداخلي في هذا المستوى؟
المستوى الداخلي مرتبط بهذا الشق الذي تحدثت عنه من ارتفاع التضخم، ولكن هناك أيضا ارتفاع البطالة، والذي يصب في صالح الأطروحة اليمينية المتطرفة التي تزعم أن استقبال المهاجرين، خاصة من دول جنوب البحر المتوسط هو سبب البطالة، وسبب انعدام الأمن، وعامل آخر وهو انعدام الأمن أو الإرهاب بين مزدوجتين أو غيرها من المصطلحات التي تصب في نفس المعنى.
لأن اليمين المتطرف يرجع هذه القضايا دائما إلى الهجرة وسياسات قبول المهاجرين الأجانب داخل فرنسا وفي أوروبا بصفة عامة، وبالتالي يرى اليمين المتطرف أن الحل هو انتهاج سياسات مناهضة للهجرة أو ما يسمونه بصفر مهاجر، بالإضافة إلى قوانين يَعدون بفرضها إذا وصلوا إلى الحكم، وهي طرد كل المهاجرين في وضعيه غير قانونية أو الذين استغنت عنهم سوق الشغل، وغيرها من الشروط التي ربما ستكون مجحفة في حق بعض المهاجرين الذين هم مقيمون بطريقة شرعية داخل الفضاء الأوروبي.
ـــــ كيف قرأتم قرار الرئيس ماكرون حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة؟
حل البرلمان الفرنسي وإعادة الانتخاب هي في الحقيقة مغامرة خطيره يقوم بها الرئيس ماكرون، قد تؤدي الانتخابات المبكرة المتوقعة في نهاية الشهر الجاري، إلى حصول اليمين المتطرف ممثلا في التجمع الوطني الذي تقوده لوبان وجوردان بارديلا على الصدارة، يعني تحقيق مضاعفة عدد مقاعده.
اليمين المتطرف لديه الآن تقريبا في البرلمان الذي تم حله حوالي 81 أو 82 مقعد، وهناك توقعات بأن يتم التناسب مع عدد المقاعد التي حصل عليها في أوروبا، ربما قد يحصل على 180 مقعدا في البرلمان الفرنسي، وإذا حصل على هذا العدد فإننا سنكون أمام حالة ربما قد يضطر فيها الرئيس الفرنسي إلى تعيين الوزير الأول من هذا الحزب اليميني المتطرف ومن التجمع الوطني وهو بارديلا، لتدخل فرنسا في حكومة تعايش مع اليمين المتطرف، وهذا السيناريو وارد جدا، بالنظر إلى استقراء النِسب التي حصل عليها اليمين المتطرف في هذه الانتخابات البرلمانية الأوروبية، مع النسب التي حصل عليها في الانتخابات الفرنسية السابقة.
وبالمجمل، فإن هذا السيناريو قد يشكل كابوسا للرئيس ماكرون، وقد يضع حدا أو يعني نهاية لفتره تحكمه ورئاسته لفرنسا بطريقة شبه أحادية، سواء في البرلمان أو في مجلس الشيوخ، وطبعا في الرئاسة الفرنسية.