حسن بويخف: استيراد الأضاحي.. “زد الشحمة فظهر المعلوف”
حسن بويخف
فشلت الحكومة في حل معضلة غلاء الأضاحي للسنة الثانية على التوالي من لجوئها إلى سياسة استيراد الأضاحي من الأسواق الخارجية. وقد أبانت مختلف المؤشرات أن تلك السياسة بقدر ما تغرق في مفارقات سوسيو اقتصادية صادمة بقدر ما تثير أسئلة حارقة حول نجاعتها.
وتعج مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام بأنباء عن لهيب أسعار الأضاحي، وردود فعل غير مسبوقة حول مناسبة تعارف المغاربة عبر التاريخ على تسميتها بـ”العيد الكبير”.
خطاب حكومي يفتقد المصداقية
في غياب تقييم موضوعي للبرنامج الحكومي المتعلق باستيراد الأضاحي للحفاظ على القطيع الوطني ومواجهة غلاء الأسعار، يقدم استطلاع للرأي حديث (خلال الفترة من 21 إلى 31 ماي 2024،) أجــراه المركــز المغربــي للمواطنــة، أرقاما تكشف الضعف الكبير لمصداقية الخطاب الحكومي حول أسعار الأضاحي لدى المواطنين.
وتفيد نتائج الدراسة أن 75% من المغاربة، لا يعتقدون أن إجــراءات الحكومــة ستســاهم فــي خفــض أســعار الأضاحي هــذا العــام. وقال 85 % من المستجوبين ستكـون أثمنـة الأضاحي مرتفعـة مقارنـة بالعـام الماضـي، مقابل 8 % قالوا ستكون مماثلة لمستواها، بينما يرى 1 % فقط أن الأسعار ستعرف انخفاضا مقارنة بالسنة الماضية، مقابل 6 % دون جواب.
ولمعرفة خطورة تأثير غلاء الأضاحي على هذه الشعيرة الدينية يسجل استطلاع الرأي مطالبة 57 % من المشاركين بإلغــاء العيــد هــذا العــام، وتعتقد أن ذلك من شأنه أن يخفف عنهــم ضغطًا كبيــرًا، مستندة إلــى ســوابق تاريخيــة، مثــل إلغــاء العيــد فــي عــام 1963 بســبب حــرب الرمــال، وكذلــك فــي عامــي 1981 و1996 بســبب الجفــاف.
كيف وصلنا إلى هذه النتيجة الصادمة؟
لا شك في أن الغلاء مس جميع مناحي الحياة في المغرب، وأن سوق الأضاحي لن يشكل استثناء، لكن الخطاب الحكومي لم يكف كل سنة عن التبشير بإجراءات للتحكم في أسعار الأضاحي. وسنتوقف في هذا المقال عند البرنامج الحكومي المتعلق باستيراد الأضاحي، الذي يقدم أحيانا تحت تسميات مثل “استيراد الأغنام الموجهة للذبح”.
فمند إطلاق برنامج دعم استيراد الأغنام الموجهة للذبح في إطار استعدادات الحكومة لعيد الأضحى السنة الماضية وهي تصفه بأنه “مؤقت” أو “استثنائي”، وأن الهدف منه هو “المحافظة على القطيع الوطني، واستقرار الأثمان”.
والإجراءات المتعلقة باستيراد الأغنام الموجهة للذبح تتعلق بمنح دعم مالي في حدود 500 درهم للرأس ابتداء من 15 مارس 2024 إلى غاية 15 يونيو 2024، وإعفاء استيراد الأغنام من الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة”.
والكمية المستهدفة بتلك الإجراءات محددة في 600 ألف رأس، وعدد المستوردين يصل إلى 100، ومعدل الاستيراد لكل واحد منهم يتراوح ما بين 3000 و 20 ألف رأس، حسب تصريحات سابقة لوزير الفلاحة في البرلمان.
ومؤخرا قال وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات في جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب إن توقعات العرض من الأضاحي تصل إلى 7.8 مليون رأس، منها 6.8 رأس من الأغنام.
وقال إن القطيع الوطني للأغنام بلغ 20.3 مليون رأس إلى حدود الشهر الماضي، بنسبة نقص تبلغ 2% مقارنة مع السنة الماضية، فيما بلغ قطيع الماعز 5,4 مليون رأس، مسجلا نقصا بـ 4% مقارنة بالسنة الماضية.
بقراءة بسيطة في المعطيات السابقة نسجل الملاحظات السريعة التالية:
المستورد أكبر المستفيدين
العملية (600 ألف رأس) سوف تكلف خزينة الدولة 300 مليون درهم كدعم مباشر للمستوردين (500 درهم للرأس).
و300 مليون درهم هو الميزانية السنوية المرصودة من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للبرنامج الوطني لتأهيل المساجد المتضررة، مع العلم أنه كل سنة هناك ما بين 230 و300 مسجد يتم إغلاقه كل عام في حاجة إلى الإصلاح والترميم، أي قرابة مليون درهم لكل مسجد في الحد الأقصى كمعدل.
لكن في برنامج دعم استيراد أغنام الأضاحي سوف يستفيد كل واحد من الـ 100 مستورد في المعدل 3 ملايين درهم، دعما مباشرا. وتتراوح تلك الاستفادة ما بين 1500000 درهم، أي مليون ونصف المليون درهم، للذي استورد 3000 رأس. و10 مليون درهم للذي استورد 20 ألف رأس من الغنم.
وإذا افترضنا جدلا أن هامش الربح بعد البيع سوف لن يقل عن 500 درهم لكل رأس، فإن ذلك يعني أن كل مستورد سوف يستفيد من العملية في المعدل 6 ملايين درهم، 3 ملايين درهم لمن استورد 3000 رأس، و20 مليون درهم لمن استورد 20 ألف رأس.
وإذا أضفنا لهذا الأمر الإعفاء من الرسوم الجمركية ومن الضريبة على القيمة المضافة، وعدم تحديد سعر بيع الأغنام المستوردة والمدعمة، سوف ندرك أن العملية تطرح أكثر من علامات استفهام حول نجاعتها السوسيو اقتصادية.
أسعار الأضاحي تواصل الارتفاع
تعرض تلك الأضاحي المستوردة في سوق مرجان في سلا، كنموذج، بأثمنة لا تقل عن 60 درهما للكيلوغرام. ورغم أنها أقل من أسعار أنواع السردي والبركي، التي تزيد عن 80 درهما بالنسبة للأول وتزيد عن 70 درهما بالنسبة للثاني، فإن سعر عرض الأضاحي المستوردة، في غياب إجراءات ضبطها على أساس الدعم العمومي الموجه لها، يطرح عدة أسئلة حول دورها في تلطيف لهيب الأسعار في السوق وتوفير بدائل مناسبة للمواطنين.
وسعر 60 درهما للكيلو لأغنام مدعمة بمبلغ 500 درهم للرأس ومعفية من جميع الضرائب، يعتبر جد مرتفع، فخروف بوزن 50 كلغ سيباع بـ 3000 درهم، وهو أكبر من الحد الأدنى للأجور في المغرب، مما يجعلها بعيدة عن لعب أي دور اجتماعي حقيقي.
فإذا استحضرنا وجود اعتبارات ثقافية لا تشجع كثيرا من المستهلكين على اقتناء الأغنام المستوردة، فإن سعرها المرتفع، يكرس ضعف تنافسيتها ويبعدها عن لعب الدور الأساسي الذي دعمت من أجله وهو تلطيف الأسعار في أسواق الأضاحي.
وبالفعل يكشف بحث ميداني أنجزته وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، حول عيد الأضحى الماضي (1444 هجرية)، أن عدد الأضاحي المستوردة التي تم شراؤها بالفعل من طرف المواطنين بمناسبة عيد الأضحى للسنة الماضية لا يزيد عن 120 ألف رأس، ما يمثل 2.1 في المائة فقط من مجموع الأضاحي في تلك السنة، حسب ما أعلنه وزير الفلاحة، محمد صديقي، خلال اجتماع عقدته الأربعاء 5 يونيو لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب.
إن كون الحكومة لم تتدخل لفرض سعر معقول لبيع تلك الأغنام المستوردة بما يرفع من تنافسيتها على مستوى الأسعار، فإن الذي تكشف عن أسعارها في الأسواق وحجم مشاركتها الفعلي في الأضحية هو أن المستوردين يحاولون الاستفادة من اشتعال أسعار الأضاحي لتوسيع هامش الربح لديهم، علما أن سلعهم سوف لن تبور لأن الطلب على اللحوم الحمراء يبقى مرتفعا خارج فترة العيد.
ومن المفيد هنا استحضار ما عبر عنه المواطنون من خلال استطلاع الرأي، المشار إليه سابقا، حيث يرى 64 % من المستجوبين خلال الفترة من 21 إلى 31 ماي 2024، أن الحكومة تهتم بمصلحة الكسابة ومربي الماشية علــى حسـاب المواطن.
ويرى 82 % من المستجوبين أنه “كان علــى الحكومة تقديــم الدعم المالي مباشرة للأسر المعوزة لاقتناء الأضحية بدلا من منحه لمستوردي الأغنام”.
لقد فشل رهان الحكومة على آلية العرض والطلب للتحكم في أسعار الأضاحي بالحديث عن وجود عرض كافي. ذلك أن أسعار الأضاحي لا تخضع لذلك المنطق بشكل آلي، بل تتحكم فيها كلفة الإنتاج أولا، ووجود طلب مرتفع خارج أيام العيد ثانيا. ما يفرض معالجة معضلة غلاء أسعار الأضاحي، وأسعار اللحوم الحراء عموما خارج أيام العيد، في مستوى دعم الإنتاج الوطني بشكل فعال.
حجم القطيع يواصل التراجع
وإذا كان توجيه الدعم للاستيراد يراد به تشجيع المستوردين على ذلك للحفاظ على القطيع الوطني، فإن ثمة ملاحظة تفرض نفسها وهي: 600 ألف رأس من الأغنام المتوقع استيرادها لا تمثل سوى أقل من 3% من القطيع الوطني للأغنام (20.3 مليون رأس).
والذي يتضح أن تعزيز القطيع الوطني عن طريق إجراءات الاستيراد المدعمة تقل عن 3%، وهي نسبة ضعيفة جدا من حيث تأثيرها على حجم القطيع الوطني، وباستحضار تراجع حجم القطيع في ظل اعتماد الاستيراد بنسبة نقص تبلغ 2% مقارنة مع السنة الماضية، نكتشف أن الحديث عن تعزيز القطيع الوطني حديث غير دقيق، على أقل تقدير.
والخلاصة الأساسية هي أن ضخ 600 ألف رأس من الغم في القطيع الوطني ليس له تأثير مهم في تعزيز حجم هذا القطيع، وأن الحديث عن دور ذلك الاجراء في تلطيف أسعار الأضاحي أو أسعار اللحوم الحمراء خارج أيام العيد يضل حديثا يفتقد إلى المصداقية، كما هو الشأن أيضا بعملية استيراد الابقار بتحفيزات مشابهة، والذي لم يساهم بشيء في تلطيف أسعار لحم “البكري” في الأسواق.
خلاصة
والخلاصة المؤسفة هي أن استيراد أغنام الأضاحي ليس في النهاية، موضوعيا، سوى وجها من أوجه تشجيع تجارة “الشناقة”، فالمستوردون في هذه العملية مجرد تجار، يشترون من الخارج ليبيعوا في الداخل. غير أنهم تجار لهم امتياز الدعم المباشر والاعفاء الضريبي.
وهذا ما يفرض تدقيقا حول نجاعة إجراءات استيراد المواشي الموجهة للذبح، يستحضر الكلفة الإجمالية للعملية بما فيها ما يضيع على صندوق الدولة جراء الاعفاء من الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة.
إن المستهلك المغربي، سواء خلال أيام عيد الأضحى أو خارجها، لم يستفذ أي شيء ملموس من إجراءات دعم استيراد المواشي الموجهة للذبح، فأسعار اللحوم الحمراء سجلت أرقاما قياسية لم تسجلها من قبل. لكن الذي يتأكد، موضوعيا، هو أن المستفيد الوحيد من العملية هم المستوردون، وهو ما يوقع العملية برمتها في منطق” زد الشحمة فظهر المعلوف”. فمن هم يا ترى؟
نقلا عن موقع ثقة تيفي