محمد عصام يكتب: اتركوا لنا عيدنا

محمد عصام


 

يجتهد الإعلام عندنا بما فيه الإعلام العمومي، في الترويج لسلوكيات غريبة عن المجتمع، و يحاول جاهدا التسويق لها ودفع الناس للتطبيع معها .
فأمس مثلا وفي النشرة الرئيسية للقناة الأولى المغربية التي يؤدي المغاربة من ضرائبهم أسباب عيشها واستمرارها أمطرتنا بتقارير حول امتلاء المؤسسات الفندقية في مناسبة عيد الأضحى، ونقلت أجواء قضاء بعض الأسر للعيد داخل بعض المؤسسات.
الرسالة التي أجهدت القناة نفسها في تمريرها للمشاهد، تقاسمتها معها عدد من المنابر الإعلامية والتي التقطت مؤشر ارتفاع الإقبال على الفنادق بمناسبة العيد، ليطفح بها الخيال في التبشير بنموذج جديد في تعاطي المغاربة مع المناسبات الدينية وتحديدا عيد الأضحى المبارك.
وعليه فإننا ننظر بتوجس كبير لهذا التواطؤ الذي لا يمكن تفسيره بإنه جاء مصادفة، لأنه لا وجود للصدفة في مجال الإعلام بالمرة، فكل القرارات التحريرية مدروسة سواء تلك المتعلقة بمقاربة موضوع معين واختيار زاوية مقاربته، أو تعلق الأمر بقرار عدم المقاربة أو نشره وتجاهله بالمطلق، فكل نظريات الإعلام تتفق على هذا الحد الأساسي في الممارسة الإعلامية، ولهذا ظهرت نظرية “وضع الأجندة” ونظرية “حراس البوابة “وغيرها، ولها أيضا وُضعت غرف الأخبار وهيئات التحرير وعلى ضوئها تم نحت الوظائف والمهام داخلهما.
ولكل ما سيق فإن الترويج الذي ما فتئت وسائل الإعلام في بلدنا تقوم به منذ مدة لهذه السلوكيات الغريبة، وفي كل سنة تزيد عليه بعض البهارات لتزيينه بهدف التطبيع معه واعتباره تطورا عاديا للمجتمع في تعاطيه مع “التدين”، يندرج في إطار خطة الهدف منها إفراغ الشعائر من معانيها التعبدية الصرفة، وتحويلها إلى عادات اجتماعية قابلة للتطور في اتجاه التخلي الكامل عن روحها وأهدافها الأساسية ولم لا إلغاؤها كشعائر بصفة نهائية، وهو ما تفصح عنه بعض التوجهات التي تدعو المغاربة بسبب الغلاء والتضخم إلى “الاستفادة ” من عطلة العيد في المنتجعات والفنادق، وبدل ذبح الأضحية وتلويث الفضاء العام بمخلفاتها، تدعوهم إلى صرف تلك المبالغ في اقتناص لحظات استجمام عابرة.
هذا التصور موغل في تكريس الفردانية والتمكين لها، وهو بذلك انبطاح واستسلام وأيضا خدمة  للنموذج الليبرالي المتوحش، القائم على أساس عبادة الفرد والشهوات والاستهلاك ، وهو ما يخالف بالمطلق القصد التشريعي من العيد، باعتباره فرصة للتراحم وصلة الرحم وإبداء الفرح بسنة الله وحضور صلاة العيد عبادة وتفكرا ولبس الجديد وغيرها، والمغاربة في تدينهم يحرصون على هذه المعاني حرصهم على سنة النسك ذاتها، ولهذا عوض نقل صور الفنادق والمنتجعات كان الأولى نقل التجمعات العائلية للأسر المغربية بمناسبة العيد، ونقل أجواء حرص المغاربة وتنقلهم من أقصى المغرب إلى أقصاه وفي بعض الأحيان من الخارج لعيش” لمة العيد ” في أجواء روحانية مليئة بمعاني التراحم والمودة وصلة الأرحام والعطف على الفقراء والمساكين.
هذه المعاني الأصيلة في الإسلام يحاول البعض يائسا فصلها عن مناسبة العيد، وهي مرحلة أولى فقط في مخطط شامل يهدف إلى فصل المسلمين عن دينهم وعن روحه ومعانيه، وحصر ذلك في مجرد طقوس يمكن مع “التطور” الاستغناء عنها واستبدالها ببدائل يتم تزيينها لرفع منسوب جاذبيتها بمنطق ليبرالي مؤسس على الفردانية والتنميط الاستهلاكي.
وعليه فإن حملات تبخيس الحج مثلا بدعاوي مختلفة، منها أن ” الحج في الفقراء والمساكين أولى من شعيرة الحج ” وغيرها من الدعاوي، هي باطل يراد به باطل.. وهي دعاوى غير بريئة تخدم أجندات هدامة سواء بوعي من يروج لها أو بدون وعي.
وعليه فإننا مطالبون من كل المواقع بحماية معاني العبادات من محاولات التجريف التي تستهدفها، ونشر الوعي أولا بتلك المعاني فهما وتمثلا، ثم بالتصدي بعد ذلك لكل الدعوات الشاردة التي تستهدفها وتفرغها من روحها. فمسؤولية هذا الجيل أن يورث الأ جيال المقبلة هذه المعاني السامية بعيدا عن كل تحريف أو تزييف تحاول الآلة الإعلامية تمريره بدهاء وخبث، تصريفا لأجندات مشبوهة وخدمة لها.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.