محمد عصام
تابعت الجلسة العامة للأسئلة الشفهية بمجلس النواب ، وتابع المغاربة معي كيف تسبب التحكم الذي تمارسه الأغلبية برفضها إعطاء حق تناول الكلمة في موضوع طارئ كما تقتضيه المادة 152 من النظام الداخلي للمجلس، في توقيف الجلسة ورفعها لمدة ساعة تقريبا.
هذا المنع الذي استمر نصف ولاية كاملة، حيث لم يتم برمجة حق “تناول الكلمة” إلا مرتين فقط، يؤشر على التصحر الديمقراطي الذي تعيشه الحكومة وأغلبيتها، ويعكس فقرا مزمنا في تمثل الديمقراطية نظرية وسلوكا، وبدلا عن ذلك يتم الإيغال في التحكم والهيمنة من خلال الاستقواء بالتفوق العددي، دون الانتباه إلى خطورة ذلك على صورة البلد وإشعاعه، ودون التفطن كذلك إلى عواقب هذا السلوك على الديمقراطية برمتها، وعلى السياسة جملة وتفصيلا.
إن الإساءة إلى البرلمان من خلال تجريد أعضائه من آلية رقابية هامة تكتسي شرعيتها من مقتضيات وروح وفلسفة الدستور، وتم أيضا التنصيص عليها في النظام الداخلي لمجلس النواب، بداعي التفوق العددي وتكريس نوع من الاستبداد/ الديمقراطي، يرسل الرسالة الخطأ إلى المغاربة، ويكرس صورة شاحبة للمؤسسة التشريعية في المخيال العام للشعب المغربي، من خلال ممارسات تكرست وتم تنميتها مع هذه التجربة الحكومية التي يبدو أنها تستثمر في التصحر الديمقراطي وليس فقط تتعايش معه وتطبع معه، والسبب في ذلك بسيط للغاية ويدركه المغاربة بيسر، فهذه النخب وأحزابها لم تولد ولم تنبت في محاضن السياسة، ولا خبرت النضال في ساحات التدافع السياسي والنقابي والمدني، ولم تكن لها سابقة في العطاء والبذل على هذا المستوى، وإنما قذفت بها أمواج الريع وزواج المال بالسلطة إلى السياسة، فليس غريبا على من كان وضعه كذلك أن يتلبس بكل االموبقات الديمقراطية من صغائرها إلى كبائرها، لأنه لا يجد نفسه مدينا للديمقراطية أو السياسة بأي شيء في مساره، أكثر من عرفانه وامتنانه للمال والسلطة والريع في وجوده وتقرير مصيره أيضا.
نفس الجلسة شهدت اقتراف “قذارة” سياسية مقززة ومقرفة، بطلتها إحدى “كتاكيت” الحمامة التي حملها ريع لائحة النساء إلى المجلس، والتي تهجمت على الأستاذ ابن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية والرئيس الأسبق للحكومة المغربية.
تهجمت على الإصلاح الذي قاده ابن كيران للتقاعد، وهو الإصلاح الذي جنب تلك الأنظمة إفلاسا محتما كانت كل التقارير تؤكد أنه آت لا ريب فيه بل حددت سنة حدوثه بتدقيق، لكن الذي لا تعرفه “الكتكوتة” أن حزبها جزء من ذلك الإصلاح، بل كان في قلب ذلك الإصلاح وكان أداة رئيسية لإنجازه، بحكم أن حزبها كان يتولى وزارة الاقتصاد والمالية، وهي الوزارة المعنية رقم 1 بكل ما يتعلق بهذا الإصلاح، فهل تعِي النائبة “المحترمة” ماذا تقول؟ أم أنها فقط تقذف بما يلقن لها من باب “أجي أفمي وقول”؟ ، ثم وهي تنتقد الإصلاح وتدابير رفع السن ورفع المساهمة، هل تشاورت مع وزيرة حزبها في المالية، هل تملك بدائل لهذه التدابير في أي إصلاح مهما كان شاملا وفعالا؟ أم أن كل واحد في هذا الحزب “كيلغي بلغاه”؟
النائبة “المحترمة” لمزت الأستاذ عبد الإله ابن كيران في تقاعده الذي قرره له صاحب الجلالة ، فهل سيتحمل حزب النائبة عواقب هذا اللمز الذي يخدش في قرار ملكي سامي، اتخذه تكريما لشخص رئيس حكومة سابق، سيرا على كرم جلالته في التعامل مع الوزراء الأولين السابقين؟ فهل تع النائبة فعلا ما يقترفه لسانها؟ أم أن هذه الكائنات التي قذف بها إلى المؤسسات لا رقيب عليها من أحزابها؟ ولله في خلقه شؤون !!!