باتا ترد على المغور.. إصلاح التقاعد لا يتحمل المزايدات ويحتاج للشجاعة السياسية غير المتوفرة في الأغلبية
فاطمة الزهراء باتا
من المؤسف أن يمعن الفريق القائد للأغلبية في تمييع النقاش السياسي كلما جاءت التعليمات لبعض أعضائه وعضواته المعروفين والمعروفات بكون رأسمالهم في السياسة هو نصرة رئيس حزبهم.
والحقيقة أن هؤلاء لا يسيئون فقط لأنفسهم أو لحزبهم أو لمؤسسة البرلمان، وإنما يسيئون للسياسة في المغرب، وللتراكم الذي حققته النخبة، وخاصة النخبة البرلمانية، التي تحملت المسؤولية في إدارة النقاش السياسي، وفي تدبير الاختلاف حول عدد من القضايا والمواضيع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
مناسبة هذا الحديث، هو ما أثارته إحدى نائبات فريق التجمع الوطني للأحرار، في جلسة الأسئلة الشفوية لمجلسنا الموقر يوم الاثنين 24 يونيو 2024، في سياق حديثها عن موضوع التقاعد، ولجوئها المعتاد للغة الهمز واللمز، وهي تظن أنها تُحسن التقرب والتزلف لرئيس حزبها ورئيس الحكومة، لكنها تنسى أو تتناسى أنها بصفتها البرلمانية تمثل الأمة، وتمثيلية الأمة مسؤولية كبيرة جدا لو كانت تعلم.
وكان بالإمكان مسايرة الكلام الذي قيل، والرد عليه بما هو أثقل وبما هو أصدق، على اعتبار أن التقاعد الذي قصدت نائبة التجمع بنسبته لـ”عبد الإله”، هو أمر معروف أمَر به جلالة الملك حفظه الله، وشأنه شأن عديد من رؤساء الحكومات والوزراء الأولين السابقين.
وكان ودّنا ألا تتم إثارة هذا الموضوع في كل مرة، احتراما لجلالة الملك، لكن رغبة البعض في محاولة النيل من رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بعدما هزمهم سياسيا وتحت الأضواء المكشوفة، بقوة خطابه وبصدقه مع المواطنين، جعلتهم يتطاولن على جلالة الملك دون حياء، وهو ما فعلته نائبة التجمع.
ويمكن أن نضيف إلى لائحة الأسماء التي جردتهم هذه النائبة، اسما آخر، وهو عزيز، الذي لا نعلم كم يتقاضى من ممارسته للسياسة، ويكفي أن نذكّر بمبلغ 17 مليار درهم الذي كشفت عنه المهمة البرلمانية الاستطلاعية في موضوع المحروقات، أو رقم 43 مليار درهم التي استفاد منها بعد تحرير أسعار المحرقات، وأرقام أخرى تتعلق بتضارب المصالح الذي يغرق فيه غير مبال بمعاناة المحتاجين والمهمشين في هذا الوطن.
حقيقة لم أكن أرغب في التفاعل بهذا الأسلوب، خاصة أن معرفة سبب الخفة التي تبديها نائبة التجمع المذكورة، يبطل العجب، ولأننا في حزب العدالة والتنمية، لا نعبر عن المواقف بالتعليمات ولا تحت الطلب، لأننا نجتمع على فكرة وعلى قناعات، وليس على عمولات ومصالح، ولا يدفع لنا رئيس حزبنا أقساط الدراسة في بعض المعاهد والمؤسسات لنملأ بشهاداتها سيرنا الذاتية، ولا يدفع عنا رئيس حزبنا كراء منازلنا، ولأن موضوع التقاعد لا يحتمل المزايدات، ويحتاج لشجاعة سياسية عالية، ولمسؤولية وطنية، وليس لإعادة تدوير لغة الشارع وإدماجها في النقاش البرلماني والسياسي.
وأعتقد أن هذه الحكومة، مع توابعها والفطريات التي تنبت بجانبها، لا تتوفر فيها الشروط المطلوبة في إصلاح أنظمة التقاعد، لذلك تلجأ إلى تسخير بعض الأصوات المكلفة بإحداث الضجيج وإلقاء القنابل الصوتية والدخانية، لعلها تجد الفرصة المواتية لتمرير الإجراءات التي تخطط لتطبيقها تحت عنوان إصلاح التقاعد.
وفي الأخير أنصح الحكومة بالتفكير مليا في موضوع التقاعد، وإشراك العقلاء في تدبيره سياسيا واجتماعيا، والانتباه إلى أن الموضوع نفسه، فجر احتجاجات عارمة في دول أخرى وكلفها الكثير، بينما بلادنا نجحت في إصلاح التقاعد ولو جزئيا، بفضل الحنكة السياسية التي ميزت رئاسة الحكومة حينها، وبشهادة الحكومة الحالية.