كشف تقرير الاستثمار العالمي الأخير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد” عن تسجيل تراجع كبير في إجمالي الاستثمارات الأجنبية بالمغرب خلال السنة الماضية، حيث تراجع المعدل إلى أدنى مستوى له منذ 19 عاما ليصل إلى 1.09 مليار دولار.
وحسب المعطيات ذاتها، فقد تراجع معدل الاستثمارات الأجنبية للعام الثالث على التوالي، بفقدانه لأزيد من 50 بالمائة من قيمته منذ سنة 2021، عندما كان الرقم عند ما يناهز 2.3 مليار دولار.
الباحث في الشأن الاقتصادي سليمان صدقي عزى هذا التراجع أساسا إلى ثلاث مؤشرات، الأول مؤسساتي، حيث يطرح السؤال حول دور اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال، مشيرا في هذا الصدد إلى أن أنشطتها ظلت مجمدة منذ 2021، ما ساهم في التأثير سلبا على التدفقات المالية الأجنبية لبلادنا.
وأوضح صدقي في تصريح لـpjd.ma، أن استمرار البيروقراطية الإدارية على عدة مستويات، وكذا وجود ممارسات منافية للمنافسة في قطاعات حيوية كما تؤكد ذلك قرارات مجلس المنافسة، ساهمت بشكل كبير في ضبابية المشهد الاقتصادي المغربي للمستثمرين الأجانب.
أما المؤشر الثاني فيتعلق بحسب الباحث الاقتصادي، بما هو سياسي، حيث أججت الحكومة الحالية وأحزابها الثلاثة المهيمنة على المشهد السياسي والترابي، التوترات الاجتماعية في مختلف القطاعات، ما ساهم في إحداث ارتباك على مستوى صورة المغرب بخصوص مؤشرات الثقة في العملية السياسية والاستقرار السياسي والاجتماعي الذي ظل يميز بلادنا مقارنة مع دول المنطقة.
كما نبه المتحدث ذاته، إلى تراجع المغرب في تصنيف مؤشر إدراك الفساد، حيث وضع التقرير السنوي لمنظمة الشفافية المغرب في المرتبة 97 عالميا من أصل 180، متراجعا بثلاثة مراكز مقابل سنة 2022، وبـ5 نقط عن سنة 2018.
وبخصوص المؤشر الثالث فلخصه صدقي في ما هو اقتصادي، ويرجع أساسا للظرفية الاقتصادية المتوترة التي تعيش في نسقها بلادنا، وذلك بتحول عدد من تداعيات الظرفية الاقتصادية العالمية، لتداعيات ذات طابع هيكلي محلي مؤثر في الوضع الاقتصادي الداخلي ومؤشراته الكبرى بالسلب، خاصة الارتفاع في مستويات أسعار المواد الطاقية التي تدخل في دورة الإنتاج (رفع تكلفة الإنتاج وافقاد المغرب ميزاته التنافسية)، والارتفاع المستمر لأسعار المواد الأساسية، وارتفاع معدلات البطالة وانخفاض معدلات النمو واختلال عدد من المؤشرات ذات الطبيعة الماكرو اقتصادية.
كل هذه المؤشرات يؤكد الباحث تزيد من ضبابية المشهد لدى المستثمرين الأجانب، ولذلك وجب على الفاعل الحكومي التعجيل بمعالجتها، بإعادة إطلاق نوعي للجنة الوطنية لمناخ الأعمال بنفس متجدد وبمسار جديد، مع مواكبة مساعي هذه اللجنة بإجراءات حكومية جريئة تساهم سياسيا في تحسين صورة المغرب داخليا وخارجيا، واقتصاديا بتجاوز تداعيات الأزمة الاقتصادية، ومؤسساتيا بتسريع وثيرة الإصلاحات المؤسساتية الهيكلية.
وقبل ذلك أشار صدقي إلى أن المغرب طيلة العقدين الماضيين عرف نموا مضطردا لهذه الاستثمارات الأجنبية، حققت في بعض الأحيان أرقام قياسية خاصة سنتي 2014 و2018، بفضل الإصلاحات الهيكلية التي أطلقتها حكومتي الأستاذ عبد الإله ابن كيران والدكتور سعد الدين العثماني، وهمت الشروع في اصلاح منظومة المالية العامة وإعادة التوازن للتوازنات المالية والاقتصادية الكبرى، والإصلاحات المؤسساتية والقانونية، وأثر ذلك بشكل مباشر في تحسين مرتبة المغرب على مستوى مناخ ممارسة الإعمال، حيث حقق المغرب قفزة تاريخية لانتقاله من مراتب جد متأخرة (المرتبة 128 سنة 2010) إلى مشارف الدخول في دائرة الاقتصاديات الـ 50 في مؤشر ممارسة الإعمال Doing Business.
[ After Header ] [ Desktop ]
[ After Header ] [ Desktop ]
رابط المشاركة :
شاهد أيضا