محمد عصام يكتب: المادة 152 بين استهتار الحكومة وتواطؤ الأغلبية!!

محمد عصام


 

 

انسحبت فرق ومجموعة المعارضة أمس الاثنين من الجلسة العامة المخصصة للأسئلة الشفهية، والسبب مرة أخرى هو تغول الأغلبية وتلكؤها في تنزيل المادة 152 من النظام الداخلي المتعلقة بتناول الكلمة في موضوع راهن وعام،
لكن هذه المرة  ليست الأغلبية عبر تحكمها وهيمنتها على قرارات مكتب المجلس من تولى كبر مصادرة حق المؤسسة البرلمانية في استعمال هذه الآلية الرقابية، بل الحكومة ” بعظمة لسانها” هي من رفض التفاعل الإيجابي مع طلبات الفرق والمجموعة حول أزمة كليات الطب والصيدلة التي تتربص بها سنة بيضاء لا قدر الله، حيث تلى رئيس الجلسة المنتمي لنفس حزب وزير التعليم العالي المتسبب بتعنته غير المفهوم في ما آلت إليه هذه الأزمة، جواب الحكومة بما يفيد أنها غير مستعدة للجواب عن تلك الطلبات.
الأزمة التي اشتعلت في بداية الجلسة واضطرت معها فرق ومجموعة الأغلبية للانسحاب من الجلسة، احتجاجا على التغول الحكومي وتبخيس العمل البرلماني، لم تقف عند هذا الحد، بل حصل ارتباك داخل الأغلبية ذاتها والتي طالبت رئيس الجلسة لرفعها من أجل التشاور.
لكنه حين العودة من التشاور مع رئيس المجلس والذي دام ما يقارب الساعة أو يزيد، اقترفت الأغلبية ما ينطبق عليه قولهم ” عذر أكبر من زلة” حين ادعت أن الوزير لا مانع لديه من الحضور في أي وقت غير أن ظروفا حالت دون حضوره هذه الجلسة.
هذا العذر أو التبرير الذي قدمته الحكومة لا يمكن أن ينطلي التضليل والكذب الذي يسكنه على أحد، وأن الدفع به فيه ” استحمار” بسبق الإصرار لذكاء ونباهة المغاربة،
فهو أولا يخالف تماما ما جاء في جواب الحكومة عن الطلبات المقدمة في الموضوع، والذي تلاه رئيس الجلسة، بعد أن تمت محاصرته من طرف المعارضة من خلال نقط نظام في بداية الجلسة، وقد استحق تنويه المعارضة لأنه أقر برفض الحكومة التجاوب بكل وضوح وحمل المسؤولية في ذلك للحكومة .
وثانيا، إن الدفع بوجود ظرف طارئ لدى الوزير،  لا ينهض لأن يكون مبررا مقبولا البتة، فهذه ليست المرة الأولى التي تم التعامل فيها باستهتار مع طلبات تناول الكلمة في هذا الموضوع، كما أنه توجد إمكانية إنابة وزير آخر للإجابة عن هذه الطلبات تفعيلا لمبدأ التضامن الحكومي.
إن تعامل هذه الحكومة وأغلبيتها مع المؤسسة التشريعية ومنذ الأيام الأولى من هذه الولاية، يكشف بوضوح تضايقها وضيق صدرها من الرقابة البرلمانية، واستعمالها المتسم بالشطط لمنطق التفوق العددي في التحكم والهيمنة على المؤسسة، ومحاولة مصادرة الآليات الرقابية التي يضمنها الدستور والنظام  الداخلي للنائبات والنواب.
فمنذ اليوم الأول تم الالتفاف على المقتضى المتعلق بالجلسة الشهرية لرئيس الحكومة، وذلك عبر منح مكتب المجلس صلاحيات لا يمنحها له القانون، ونصَّب نفسه “رقيبا” على الفرق والمجموعة، يقرر في أسئلتها بالقبول أو الرفض، في حين أن وظيفته كما يحددها النظام الداخلي تقتصر على الإحالة على الحكومة.
نفس الشيء بالنسبة لطلبات عقد اللجن، مما حول مكتب المجلس لهيئة رقابة جديدة وغير دستورية على الآليات الرقابية للمؤسسة التشريعية.
هذا النزوع الهيمني يجد أصوله في الهوية  والسلوك السياسيين لمكونات الأغلبية. فكون أحد مكوناتها يعتبر تجسيدا ” فاقعا” لزواج المال بالسلطة، يكفي لفهم التضايق وضيق الصدر من كل ماله علاقة بالرقابة أو الحكامة أو الترشيد، وكون مكون آخر  تطارده لعنة الولادة في” فراش” التحكم، يجعلنا لا نستغرب من هذا النزوع التحكمي الذي يكشر عن أنيابه و ” يخرج من رونضته” كلما مر الوقت، وسقطت الأقنعة تباعا.
السؤال الذي يجب أن تطرحه واقعة انسحاب المعارضة اليوم، هو ماذا استفادت الأغلبية ومعها الحكومة من هذا التعنت وهذا الاستهتار بالمؤسسة التشريعية؟!
إن الحكومة وأغلبيتها تسيئ لسمعة البلد ولديمقراطيته بهذه المسلكيات الموغلة في التحكم والتغول، فكونها أغلبية لا يمنحها الحق في التعسف على حقوق المعارضة وإفراغ العمل النيابي من معناه ومضمونه، وتبخيس المؤسسات.
كما أن الحكومات القوية، لا تخيفها الرقابة ولا تتملص من مشمولاتها، بل تجعل نفسها رهن إشارة كل المبادرات الرقابية، لما في ذلك من تقوية للنقاش العمومي، وتمحيص للسياسات العمومية وتجويدها، ارتقاء بالمواطنين والخدمات المقدمة لهم.
كما أن التفوق العددي هو لا يعدو أن يكون آلية للحسم الديمقراطي عند الحاجة، ومناطا تبنى عليه المسؤوليات، ولا يمكن بتاتا أن يكون مطية لطمس الحقوق والهيمنة المطلقة، فالديمقراطية لا بد لها من جناحان، الأغلبية والمعارضة، وبدونهما لن تكون هناك ديمقراطية البتة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.