تنامي “التنسيقيات” الفئوية في ظل حكومة 8 شتنبر.. مخاطر مركبة!!

المحجوب لال


 

منذ تشكيل حكومة 8 شتنبر، غداة عملية انتخابية فاقدة لكل مقومات التنافس الشريف والقواعد القانونية الملائمة والروح الشعبية الدافعة للمشاركة…، ظهر بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الحكومة لا تحظى بأي سند شعبي أو ثقة مجتمعية، وهو ما تأكد عبر محطات وأزمات متواصلة إلى الآن.
حيث انخرط ملايين المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الدعوات المُطالِبة برحيل رئيس الحكومة، بعد أشهر معدودة من توليه الرئاسة، دون أن نرى من الأصوات الشعبية ما يدعو لمنحه الوقت اللازم للعمل، مما يدفع للتساؤل عن مآل ملايين الأصوات التي تدعي الأغلبية الحالية وخاصة حزب “الحمامة” أنها نالتها في الانتخابات المذكورة.
لكن، ولأن المشاكل والأزمات متعددة وكثيرة، فسنركز الآن على ظاهرة أو ثقافة التنسيقيات الفئوية/المهنية، والتي تولدت مع هذه الحكومة بشكل غير مسبوق، بعد أن كان المغاربة عموما يسمعون خلال السنوات الماضية عن “تنسيقة الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”، غير أنهم اليوم، أصبحوا عاجزين عن معرفة أسماء التنسيقيات الجديدة، نظرا لكثرتها، والتي نَظم بعضها مسيرات مركزية ومجالية كبيرة جدا، للمطالبة بحقوق معينة أو الدفاع عن مطالب لم تجد من حكومة ما تُسمي نفسها زورا بـ “الكفاءات” أي آذان صاغية أو قلوب وعقول واعية.
أريد أن أشير هنا في قطاع التعليم مثلا إلى “تنسيقية أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي”، و”التنسيقية الوطنية لأساتذة التعليم الثانوي الإعدادي”، و”التنسيقية الوطنية لأساتذة التعليم الابتدائي”، و”تنسيقية أساتذة التعليم الخاص”، و”التّنسيقية الوطنية لهيئة المتصرفين المشتركة بين الوزارات العاملين بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي”، و”لتنسيقية الوطنية لهيئة التدريس وأطر الدعم بالمغرب”، و”التنسيقية الوطنية للمختصين التربويين والاجتماعيين ومختصي الاقتصاد”، و”التنسيقية الوطنية للأستاذات والأساتذة ضحايا تجميد الترقيات”..
وفي قطاع الصحة نجد “التنسيقية الوطنية للممرضين والممرضات المجازين”، و”التنسيقية الوطنية للممرضين الدكاترة”، و”تنسيقية الممرضين المتعاقدين”، كما نجد “التنسيقية الوطنية لموظفي الجماعات الترابية”، و”تنسيقية المرسبين في امتحان الاهلية لمزاولة مهنة المحاماة”.. وغيرها كثير.
إن هذا الوضع المأزوم، يعكس حجم التخبط الذي يعتري تدبير قطاع التربية الوطنية والصحة والعدل وكذا العديد من القطاعات الحكومية الأخرى، مما أفرز سيولة غير مسبوقة في ظهور التنسيقيات الفئوية، وذلك بسبب سياسة التخبط وصم الآذان التي تنهجها الحكومة الحالية.
كما يعكس الوضع، مستوى التجريف الخطير الذي تعرضت له الحياة الحزبية والنقابية، بما جعل هؤلاء الموظفين أو المستخدمين أو الطلبة أو غيرهم، ينخرطون في تنسيقيات لمطالب محدودة، لم يجدوا في العمل المؤسساتي النقابي والحقوقي والسياسي ما يشجعهم على تحميله مسؤولية حَملِ ملفاتهم المطلبية، ومشاركتهم هَمَّ تحقيقها والنضال لأجلها.
إن هذا التجريف، لهو أخطر ما يمكن أن يقع في أي بلد، خاصة وأننا مهددون بقلاقل وأزمات، سواء لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية داخلية، أو في ظل المخاطر الدولية التي أصبحت فيها الحروب وخلق التوتر استراتيجيات معتمدة في مقاربة الشأن الدولي.
فضلا أن ظهور هذه التنسيقيات يفسر النتائج غير المسبوقة التي صدرت عن المندوبية السامية للتخطيط، والتي قالت بأن مستوى الثقة انحدر في ظل هذه الحكومة إلى أدنى مستوى له منذ اعتماد هذا المؤشر عام 2008، مما يبين أن هؤلاء المنخرطين في التنسيقيات، وإن كانوا يحاورن الحكومة والقطاعات المعنية، إلا أن الخلفية التي تحكمهم هي “اللا ثقة”، وهذا الوضع كفيل بأن يجعل النفوس غير مطمئنة لأي اتفاق يتم التوصل له، مما يحول الانتصارات المحققة في أي ملف المطلبي إلى هزائم، في ظل حالة من “تأجيل” الفرح والشعور بالراحة تجاهها إلي حين، وهذا “الحين” المنتظر قد يتحقق فعلا، دون أن ينعم أعضاء التنسيقية بذلك الشعور الإيجابي الذي كان يجب أن يعمهم منذ الوصول إلى اتفاق.
إذا كان هذا وضعنا في ظل قضايا فئوية، فكيف سنتعامل مع التوترات الكبيرة لا قدر الله؟ وكيف نطمئن على بلدنا في ظل حكومة أكدت فشلها الذريع في إدارة الشأن العام؟ كما أثبتت أنها لا تنجح سوى في تحويل المطالب البسيطة إلى فتائل أزمات كبيرة وعميقة، فأين الخلل وكيف السبيل لإيقاف النزيف؟
ومهما اختلفت أجوبتنا عن السؤال الأخير، لا يمكن أن نختلف في أن هذه الحكومة -في ظل ما عشناه جميعا منذ انتخابات 2021- هي من أكبر عناوين الأزمة، وأن استمرارها هو نفخ في كيرها ونارها، وأن التأخر في معالجة الوضع يجعل الأثمان باهظة، إن لم تكن في استقرار بلدنا الحبيب، فستكون في مزيد من قتل للثقة في باقي مؤسساته، وهذا هو الخطر الأعظم الذي لا يمكن السماح بوقوعه، حفاظا على وطننا من كل الأخطار المحدقة والأعداء المتربصين بثوابته الراسخة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.