يوسف غربي يكتب: فلسطين ترمومتر الحق والآدمية
يوسف غربي
ليس عبثا ولا صدفة أن تتحول فلسطين بوصلة للسلوك الإنساني المتحرر من الأنانية والعرقية و التعصب الديني والبراغماتية الاقتصادية، فبعد السابع من أكتوبر أدرك العالم أن هناك شعبا مظلوما صاغت مأساته قوى الهيمنة الغربية منذ وعدت فائضا بشريا تريد التخلص منه بأرض ليست له. فلئن أخفقت المحرقة فالحل الترنسفير، و تم تجميع الصهاينة بخطة الوعد المغري وتم توطينهم على حساب شعب أصيل نذر للفناء على طريقة شعوب الهنود الحمر بأمريكا .ولأن الاستيطان الإحلالي لا يمكن أن يتم إلا باقتلاع الثابت وزرع الدخيل فقد ظل الفلسطينيون يقاومون هذا النزوع العدواني الذي يروم إفناءهم إن لم يتحولوا الى مجرد عضلات في خدمة الإحتلال. بفضل طوفان الأقصى سيشهد السلوك البشري في بعديه الفردي والجماعي تحولات مدهشة ومفاجئة لصانعي مآسي الإنسانية.
أول هذه المظاهر بروز سجال يتحدى لازمة السؤال الغبي الذي يطرحه الصحفيون على ضيوفهم في بداية كل حوار: ماذا تقول فيما قامت به حماس في السابع من أكتوبر؟!! و كأن التاريخ لم يبدأ إلا مع هذه اللحظة، هذا التعامل البنيوي المبئر على الحدث بفصله عن السياق المنشئ له. فلا حديث عن اغتصاب أرض ولا عن تدنيس للمقدسات المسيحية والإسلامية ولا عن قضم أراضي الفلسطينيين والقتل الممنهج للفلسطينيين والصحفيين. كل ذلك يتم تغييبه و مطالبة ضيوف اللقاءات الصحفية بإدانة الفعل المقاوم، وكل رفض أو محاولة لتقديم سردية منطقية منخرطة في السيرورة الزمنية يقابل بالتنديد والإدانة بل وإيقاف البرامج. لقد نسي هؤلاء أن الرأي العام التواق لحرية الرأي خاصة في الغرب لا يستسيغ هذه المصادرة الممنهجة للرأي.و هو ما خلق وعيا مناهضا باحثا عن الحقيقة، وأثمر حركة جماهيرية في الجامعات والشوارع.
و بتطور الوعي بحقيقة الصراع ومظلومية الشعب الفلسطيني توسعت حركة مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل و للبضائع، ولحقت بها أضرار فادحة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا فقد فهمت دول غربية ضرورة الإنصاف في هذه القضية فاعترفت بالدولة الفلسطينية (اسبانيا ،ايرلندا،النرويج) و لم يخفق علم في سماء الأرض مثلما خلق العلم الفلسطيني وكأن الكون كله صار له وطنا. و لم يحرق علم في أرجاء المعمورة كما احترق علم دولة الاحتلال الإسرائيلي.
و لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد حضرت فلسطين في الحملة الانتخابية الفرنسية بقوة في مواجهة اللوبي المتصهين، وخاصة في حملة الجبهة الشعبية وبالخصوص في حملة فرنسا الأبية بزعامة جون لوك ميلونشون.
في المقابل فإن السردية الصهيونية القائمة على الاغتصاب الذي يشرعنه منطق القوة الغربي تتعرض لضربات موجعة لافتقادها لعناصر التماسك الداخلي القائم على الحق وليس الهيمنة. وظهرت “إسرائيل” في المخيال السياسي الجماهيري ككيان مارق متغطرس بلا قيم إنسانية. لقد غدت فلسطين مقياسا للآدمية البشرية وبوصلة للسلوك الإنساني.