محمد عصام يكتب: هل أتاك حديث “الكوفية” !!
محمد عصام
قديما قيل “رب ضارة نافعة “… هذا المثل ينطبق على واقعة رفض عميد كلية العلوم ببنمسيك بالدار البيضاء، تقديم شهادة التخرج لطالبة متفوقة وذلك لأنها توشحت الكوفية الفلسطينية، ورفضت خلعها بعد أن طالبها العميد بذلك أمام عدسات الكاميرات وأعين الأساتذة والطلبة.
إنها واقعة نافعة فعلا، لأنها كشفت لمن كان في قلبه مرض “الصهينة” الأثيم، أن المغاربة بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم ومواقعهم الاجتماعية، مجمعون على اعتبار القضية الفلسطينية قضيتهم، وأنها في مرتبة قضية الوحدة الترابية، وأن كل تشغيب أوتشويش على هذه القناعة لن يفلح بتاتا في زعزعة هذا اليقين الذي يسكن عميقا في تبني المغاربة لقضية فلسطين.
ودليل هذا الدفع، ما عبرت عنه منصات التواصل الاجتماعي من استنكار عارم لما فعله العميد، وتضامن مبدئي مع الطالبة وإشادة بموقفها وشجاعتها وحزمها وعزمها، ومعهم زملاؤها الطلبة الذين عبروا في اللحظة والحين بتصفيقاتهم وتشجيعاتهم عن مساندتهم لها ورفض وشجب تصرف العميد.
المغاربة فعلا لن يزايد عليهم أحد في تبني القضية الفلسطينية ولن يشوش عليهم في ذلك، ولن يسعفنا أن نذكر كل المحطات التاريخية التي كشفت هذا المعدن الأصيل للمغاربة، وسنذكر فقط أن المغاربة وهم تحت وطأة الاستعمار الفرنسي والإسباني الغاشم سنة 1948، كانوا يجمعون التبرعات ويساندون إخوانهم في فلسطين وهم في أوار معركتهم مع المحتل، ولم يثنهم وضعهم ذلك في بذل كل ما يستطيعون نصرة لإخوانهم ولقضيتهم التي لا تقل عن قضية تحرير وطنهم.
وساهم المغاربة بالدم وبالأرواح في كل الحروب التي خاضتها الجيوش العربية ضد الكيان الغاصب في الجولان وسيناء، وتطوع شبابُهم في العمل الفدائي مع الفصائل الفلسطينية في معركة التحرير الوطني الفلسطيني,
وبطبيعة الحال دون أن ننسى دور جلالة الملك رئيس لجنة القدس، الذي يعتبر القضية الفلسطينية في مستوى قضية الوحدة الترابية.
فالواقعة التي وقعت نهاية الأسبوع الماضي، فندت كل الادعاءات التي تروجها بعض الجهات المنخرطة في أجندة الصهينة الشاملة، وجعلت تيار “كلنا إسرائيليون” يبدو عاريا تماما أمام أصالة هذا الشعب العظيم، ومجتثا من كل عمق اجتماعي، فهو تيار دخيل غير مسنود اجتماعيا، وهش ثقافيا، ومهزوم سياسيا، ومرفوض بكل المقاييس الإنسانية والحضارية.
فحتى الجامعات في الغرب وأمريكا، وهي جامعات مرموقة ولها وزنها العلمي والأكاديمي الذي لا يمكن الجدال بخصوصه، عرفت حركات قوية من التضامن مع فلسطين والتنديد بآلة القتل الصهيونية الهمجية، وتحولت كثير من حفلات التخرج إلى فضاءات لإعلان المواقف الإنسانية الطبيعية جدا من قضية الإبادة التي يتعرض لها شعب أعزل أمام أنظار وخذلان العالم بمؤسساته الدولية ومواثيقها لحقوق الإنسان العاجزة، وحمل الطلبة هناك الأعلام الفلسطينية والكوفيات، فيما يمكن أن يؤشر على تحول كبير وحاسم في الوعي لدى الشباب الغربي وتحرره من السردية الصهيونية التي تدعمها وتمكِّن لها الأنظمة الغربية عبر كل أدوات ومحاضن تشكيل الوعي من الإعلام والثقافة والفن وصولا إلى المناهج الدراسية والبحث الأكاديمي.
وعليه فإن ما قام به عميد كلية العلوم، هو سلوك أرعن يهوي بصاحبه في حضيض سحيق من عدم الإنسانية وفقدان الكرامة، ولا شيء يمكن أن يبرره أو أن يكون مستندا لتفهمه، فلو افترضنا أن هذا المسؤول الجامعي له موقف مخالف، فإن ذلك لا يبرر مطلقا أن يصادر حق الطالبة في التعبير عن موقفها بتوشح الكوفية الفلسطينية، أو ممارسة وصاية عليها في ذلك، وكان يكفيه ألا يتقدم إلى المنصة وأن يعتذر للمنظمين، وكفى الله المؤمنين “القتال”.
أما وقد وقع ما وقع، فهو مطالب بالاعتذار للإساءة للطالبة بالاعتداء على حقها في حرية التعبير عن موقفها، وبالإساءة للجامعة المغربية التي بادر الأساتذة عبر نقاباتهم جميعا بالتنديد بسلوك العميد، وبالإساءة للمغرب وللمغاربة الذين لا يقبلون المساومة أو التشكيك في تضامنهم مع إخوتهم في فلسطين، خصوصا في هذا السياق الصعب، والذي رفع مستوى التضامن إلى رتبة الواجب الإنساني المحض، والذي يلتقي فيه كل شرفاء العالم باختلاف أجناسهم وانتماءاتهم.
وهي رسالة لبعض التيارات، كتيار “كلنا إسرائيليون” ومن يحوم حولهم ، وبعض النكرات كأولئك الذين قاموا بزيارة الكيان الغاصب ورقصوا رقصا آثما على جروح الأمة بكل سفالة ونذالة قبل أيام، أن مصيركم مزبلة التاريخ حيث ستلتقون مع من تهوى أفئدتكم من بني صهيون، وأن هذا الشعب الأصيل لا يمكن بتاتا اجتثاثه من عمقه الحضاري والإنساني، وأن الدعوات المشتغلة على إيقاع الصهينة مصيرها بلا شك الهزيمة المدوية، وإن غدا لناظره لقريب.