عبد الرحمن اليعقوبي يكتب: معنى الديمقراطية الداخلية وآليات اتخاذ القرار عند التنظيمات السياسية

 

تقديم:
أهم ما يميز التنظيمات السياسية هو ضرورة تعبيرها عن مواقفها السياسية واتخاذها للقرارات السياسية التي تعبر عن هويتها السياسية. ويشمل القرار مستويين: الأول هو المستوى التنظيمي الداخلي، بحيث يجب أن تكون للتنظيم السياسي آليات محددة تبين بوضوح كيفية بناء التنظيم وضبط الهياكل من الأعلى إلى الأسفل. أما المستوى الثاني فهو خارجي يتعلق بضرورة تتبع التنظيم السياسي لكل المستجدات على الساحة السياسية، ومصاحبته لها، وتعبيره عن المواقف منها وتحديد علاقته بغيره من التنظيمات. ولأن الأحداث السياسية المعاصرة أصبحت متسارعة بحيث يصعب على غير المهتم متابعتها وفهمها ، ولأن وسائل التواصل لم تعد تترك فرصة للتنظيم السياسي للتأمل الهادئ فيما يقع، فإن هذا فرض على الكل سرعة الرد وسرعة التعبير عن الموقف. وهذا يستدعي من التنظيم وضع آليات واضحة يكون الموقف المعبر عنه معبرا حقيقة عن نظرة هذا التنظيم لما يقع.
تعتبر قضية آلية اتخاذ القرار في التنظيمات السياسية العربية قضية جديدة، ذلك أن ما ميز هذه التنظيمات لمدة عقود من الزمان هي رجوعها الدائم للزعيم. إنها تنظيمات تنبني على الخضوع للزعيم. والزعيم هو المالك الوحيد للتنظيم، والمعبر عن رأيه حسب منظوره الخاص، أو حسب المصلحة المترتبة عن ذلك. لهذا لم تعرف جل التنظيمات السياسية فكرة الديمقراطية في اتخاذ القرار، أو على الأقل أن الديمقراطية كانت مجرد شعار يرفع ، مع غياب تام لأي مضمون لها في داخل هذا التنظيم. الأمثلة على ذلك كثيرة في تاريخ السياسة العربية، بل إن هذه الأمثلة لاتزال موجودة وحية إلى اليوم. ومن الأحزاب الكبرى التي عرفها التاريخ السياسي العربي هي حزب البعث بشقيه، ومن الأمثلة الحية كثير من الأحزاب التي يخلقها بعض الحكام ليقدموا أنفسهم ممثلين حقيقيين للرأي العام.
طريقة اتخاذ القرار إذن ليست قضية ثانوية في التنظيم السياسي، إنها تعبير عن هويته وجديته ومصداقيته الديمقراطية. طريقة اتخاذ القرار لم تعد تنفصل حاليا عن مفهوم الديمقراطية. والديمقراطية هي التي تعبر اليوم عن حقيقة القيم التي يحملها الحزب وعن حقيقة تمثيليته للرأي العام. لذلك لم يعد ممكنا الفصل بين آليات اتخاذ القرار وبين الديمقراطية الداخلية. وعرضنا هنا لا يتعلق بعرض لمفهوم الديمقراطية في أشكالها المتعددة أو في بعدها التاريخي، بل سنتناول فقط هذا المفهوم داخل التنظيمات السياسية بشكل عام وداخل تنظيم أخذناه كمثال لما نريد الوصول إليه.
سنحاول تناول هذا الموضوع إذن من خلال أنموذج سياسي فرض نفسه في الساحة السياسية المغربية خصوصا، والساحة السياسية العربية عموما، وهو حزب العدالة والتنمية المغربي. واختيار هذا المثال هو من أجل محاولة الربط بين مفهوم الديمقراطية وآليات اتخاذ القرار داخل التنظيمات السياسية العربية. ويعتبر هذا المثال هاما في تطوير وإغناء التجربة السياسية عند الأحزاب والتنظيمات السياسية لما اتسمت به هذه التجربة في تقديم مثال يمكن أن يعرف وأن يدرس.
إن نقل التجربة والتلاقح بين التجارب يعتبر اليوم أمرا ضروريا في ظل الأزمات التي يعرفها واقعنا العربي، وفي ظل الانتظارات التي يتطلع إليها شبابنا الذي يعيش، مثل غيره داخل عالمي رقمي معولم.
الإشكالية التي نطرحها هنا هي: ما هي العلاقة بين الديمقراطية وبين آليات اتخاذ القرار؟ وما أهمية الأسلوب الديمقراطي في اتخاذ القرار على استمرار التنظيم واستقراره؟ وكيف يمكن اعتبار الديمقراطية الداخلية صورة لما تدعو إليه التنظيمات من ديموقراطية على مستوى الدولة؟

أولا:حول مفهوم الديموقراطية
إذا كان مصطلح الديمقراطية في القديم هو لفظ يشير إلى طريقة معينة في ممارسة الشأن السياسي داخل المجتمع، وهذا داخل المدينة اليونانية حيث يجتمع المواطنون لاتخاذ القرار. وقد أخذ هذا المصطلح في الفكر الحديث قيمة جديدة وأبعادا واسعة، منها على الخصوص البعد الفلسفي والبعد العملي.
يشير مفهوم الديمقراطية فلسفيا إلى تلك العلاقة التي يجب أن تربط بين هيئات المجتمع المدني فيما بينها، وأيضا، بين مؤسسة الدولة وبين باقي الفاعلين الاجتماعيين، بحيث أن هذه العلاقة يجب أن تكون علاقة تعاقد يحكم الشعب على أساسها نفسه بنفسه. ويتعلق الحكم هنا بالجانب المدني من حياة الناس في شؤونهم العادية والواقعية واليومية. فلا يحق للدولة أن تتدخل في الشأن الخاص بالشخص والمتعلق باعتقاده وتعبيره عن رأيه أو سلوكه الشخصي، فمثل هذه الجوانب هي جوانب خارجة عن مهام الدولة وغاياتها حسب أحد منظري الديمقراطية الحديثة وهو جون لوك. الأمر يتعلق إذن بتعاقد على طريقة تنظيم المجال السياسي والتنافس على الوصول إلى مراكز السلطة بطريقة سلمية ومعترف بها.
وعلى المستوى العملي فإن الديمقراطية تشير إلى مجموع الأدوات المستعملة داخل المجتمع من أجل التداول على السلطة. ومن أهم تلك الأدوات، كما بين ذلك الفيلسوف الإنجليزي جون لوك ، هي أن تكون السلطة للأكثرية، باعتبار أن هذه السلطة تمثل سلطة المجموع ويجب الانضباط لها حفاظا على وحدة الجماعة والسلم فيها. ولهذا وضعت الدول الحديثة إجراءات عملية مختلفة ، حسب وضع كل دولة، تحقق الأبعاد الفلسفية للديمقراطية وتحقق من جهة أخرى مبدأ الانضباط في وضع القرار السياسي وتطبيقه داخل المجتمع ومبدأ التداول السلمي على السلطة ومبدأ احترام الشخص واحترام التعبير عن الرأي. الديمقراطية هنا هي فلسفة كاملة بمبادئها ورؤيتها.
لم تعد الديمقراطية في المجتمع الحديث شأنا يتعلق بالدولة، بل تعداه إلى أن يكون طريقة في اتخاذ القرار داخل التنطيمات السياسية والمدنية، ولهذا سمت كثير من الأحزاب نفسها بالأحزاب الديمقراطية. ومعنى ذلك أن القرار داخل هذه التنظيماتيرتكز على الوسائل الديمقراطية المتعاقد عليها بين أعضاء التنظيم. ومن بين هذه التنظيمات كثير من التيارات ذات التوجه الإسلامي.

ثانيا: بين مفهوم الشورى ومفهوم الديموقراطية
لعل القضية التي شغلت النقاشات الفكرية داخل التيارات الإسلامية في عقد السبعينات والثمانينات من القرن الماضي هي قضية العلاقة بين مفهوم الشورى ومفهوم الديمقراطية، فذهب كثير من المفكرين والكتاب ذوي التوجه الإسلامي إلى اعتبار مفهوم الديمقراطية هو مفهوم غريب عن الفكر الإسلامي، لأن الديمقراطية هي فلسفة وبنية فكرية تتأسس على أن الشعب هو صاحب القرار في وضع التشريع، وهذا في تجاهل تام للتشريعات التي يحددها النص الديني. وإذا ما كان القرار متمثلا في عموم الناس من خلال ممثليهم، أو من خلال الاستفتاءات التي تقوم بها بعض الدول، فقد نصل إلى حالة نشرع فيها ما يتناقض كليا مع الشريعة. ومثل هذا الأمر غير جائز في البلاد الإسلامية التي يجب أن يقوم التشريع فيها على قرار أهل الحل والعقد، وأن توضع التشريعات فيها انطلاقا مما يقول به النص التشريعي الإسلامي. أما التصور الديموقراطي فإنه بعيد عن كل ذلك باعتبار أن الديمقراطية هي في جوهرها علمانية ولا تعترف بالدين مصدرا للتشريع.
مثل هذه الحجج أدت إذن إلى رفض مفهوم الديمقراطية والدعوة إلى ترسيخ مفهوم الشورى.
الملاحظة الأساس هنا هي أن مفهوم الشورى في هذه الأدبيات الإسلامية لم يكن واضحا بالشكل الكافي، ولهذا لم تستطع هذه الدعوة الصمود أمام مفهوم الديمقراطية ، وهذا ما يدعو الآن ومستقبلا إلى إعادة توضيح مفهوم الشورى ليصبح قادرا على تعويض مفهوم الديمقراطية في أدبياتنا الإسلامية

ثالثا: من الشورى إلى الديموقراطية: حزب العدالة والتنمية أنموذجا

لقد عرف هذا الحزب في بداية تشكله نفس النقاشات السابقة. والبدايات كانت داخل حركة التوحيد والإصلاح المغربية(حركة التوحيد والإصلاح بهذه التسمية لم تظهر إلا في سنة 1996، أما قبل هذا فإنها كانت تحمل عناوين أخرى لن ندخل في التأريخ لها) والتي هي حركة دعوية بالأساس، لكنها في نفس الوقت تنظيم مدني وحركة اجتماعية احتاج إلى ضبط آليات اتخاذ القرار فيه.
طريقة اتخاذ القرار كانت من بين الإشكاليات التي طرحت على هذه الحركة منذ ظهورها وفي مسارها التنظيمي. أهم ما ميز هذه الحركة هو غياب المشيخة والقيادة الكارزمية التي يمكن أن تحسم في القرار التنظيمي والفكري، لقد كانت قيادة هذه الحركة تتكون من شبان يملكون نفس الثقل، وكان من الصعب على أحدهم أن يفرض نفسه زعيما على الآخرين. مثل هذا الوضع التنظيمي هو الذي غاب لدى كثير من الحركات والتنظيمات الإسلامية في العالم العربي على الخصوص. لكن هذا الوضع كان فرصة لا تعوض للتفكير في آليات اتخاذ القرار وتدبير الاختلاف الموجود بين القيادات.
بدأ التفكير في هذا الأمر والعمل به عند الانفصال عن الشبيبة الإسلامية حين عمد المجتمعون في بوسكورة ضواحي الدار البيضاء إلى طريقة الترشيح والتصويت والاحتكام إلى آلية الأغلبية. وهذا يخص تنظيم الجماعة الإسلامية، والاعتقاد هو أن تنظيم ” رابطة المستقبل الإسلامي” قد عمد بدوره إلى نفس الأليات عندما توحدت مجموعة من المجموعات الإسلامية داخل الرابطة. وكل هذا حصل إبان عقد الثمانينات وابتداء من سنة 1981 فيما يخص الجماعة الإسلامية التي انفصلت عن الشبيبة. وما كان العمل به حينئد مصطلحا هو لفظ الشورى.
من هذا المنطلق أصبح لفظ الشورى أقل استعمالا فيما لحق، وهذا بعد رسوخ الأليات الجديدة في اتخاذ القرار. لم يعد هذا اللفظ يحضر بسبب أنه غير واضح من الناحية الإجرائية ولكن لأن تجدد الخطاب فرض استعمال مصطلح أكثر وضوحا داخل التداول السياسي العام.، وبقي مفهوم الشورى حاضرا باعتباره قيمة دينية يجب الالتزام بها لمناهضة شيوع طريقة فرض الرأي والاستبداد بالقرار. واستحضر البعد القيمي لمفهوم الشورى باعتباره معيارا في بناء العلاقات الداخلية في هذا التنظيم الإسلامي. وهذا في وقت كان النقاش المصطلحي لا يزال حاضرا داخل كثير من التنظيمات الإسلامية وعلى الخصوص في الأدبيات المشرقية.
أخذ هذا الأمر، أي الانتقال في استعمال مصطلح الديمقراطية، من الحركة جهدا فكريا وتنظيميا كبيرا ، وعرف مخاضا طويلا سواء داخل الاجتماعات أو في باقي المنتديات الفكرية والتربوية التي كانت تعقدها الحركة والحزب من بعد. وهنا فرض مفهوم الديمقراطية نفسه على التنظيم. والديمقراطية هنا هي سبيل ومجموعة من الإجراءات المتفق عليها في التداول والتشاور واتخاذ القرار. وقد وضعت الحركة نتائج هذا الحوار الشاق والطويل ضمن مصنفات تنظيمية مثل: ميثاق الحركة، والرؤية التربوية، والرِؤية السياسية وغيرها ، وهي مصنفات لا يزال يعمل بها إلى الآن . ويلاحظ أن فكرة الديمقراطية تحضر هنا بنفس الثقل النفسي والقيمي الذي يحضر به مبدأ الشورى. لقد استبدل المصطلح دون تغيير في الدلالات الفلسفية التي يحملها مفهوم الشورى بدلالته القيمية الدينية.

أهمية هذه النقاشات ومجموع النتائج التي أفضت إليها كان لها أثر كبير في اختصار المسافة عند ظهور حزب العدالة والتمية. فمفهوم الديمقراطية في الحزب هو نقل شبه حرفي لكل ما وصلت إليه حركة التوحيد والإصلاح ، بل إننا نشهد وإلى اليوم نوعا من التلاقح بين تطور المفهوم سواء في الحركة أو في الحزب.

رابعا: ملامح مفهوم الديموقراطية في فكر حزب العدالة والتنمية
المنطلق المذهبي الذي تبنى عليه فكرة الديمقراطية في حزب العدالة والتنمية هو مبدأ الحرية. فاحترام الإنسان هو احترام حريته في التعبير عن رأيه، وهي قيمة دينية وأخلاقية عليا لا يجوز لأي سبب من الأسباب الحد منها. لهذا وجب أن يقوم التنظيم على محاولة ضمان أكبر قدر من الحرية لكل الأعضاء في التعبير عن مواقفهم، وكل تطور في آليات التنظيم واتخاذ القرار لا يجب أن يخفض من منسوب الحرية في التعبير. وهنا نلتقي بمعنى الشورى القرآني في أوضح تجلياته. انطلاقا من هذا المبدأ، وانطلاقا مما كرسته حركة التوحيد والإصلاح من قبل، أصبح النقاش في مساطر اتخاذ القرار من أهم انشغالات الحزب، بل إنه يوازي النقاش السياسي حول المواقف السياسية. وهذا معنى الشعار الذي رفعه الحزب تنظيميا وهو: ” الرأي حر والقرار ملزم”. ومعنى ذلك أنه من الواجب التعاقد على طرق تضمن الحرية في التعبير، وفي نفس الوقت تسهل سبل اتخاذ القرار. فيكون القرار جماعيا وملزما. ويتفق على المساطر قبل البدء في مناقشة أي قرار.
إذن هنالك بعدان يحملهما مفهوم الديمقراطية وهما: البعد القيمي والبعد التنظيمي. وفيما يخص هذا البعد الثاني فهو يتضمن عدم مركزة القرار، ولهذا يرى الحزب، ومن قبله الحركة، بأن الزعامة في الحزب يجب أن تخضع للتداول بين الجميع. فليس هنالك زعيم دائم، بل إن رئاسة الحزب لا يجب أن تتجاوز دورتين في أربع سنوات لكل دورة. وأن اتخاذ القرار يخضع لآليات تنظيمية توضع بعد التشاور العام على صعيد كل أجهزة الحزب وهياكله وباستقلال عن الأشخاص، مع الحرص العام على عدم تجاوزها لأي سبب كان. وتخضع هذه الآليات بدورها للمراجعة في كل أربع سنوات، حيث يعاد بناء التنظيم الحزبيمن الأعلى إلى الأسفل. وكل هذا مثبت رسميا في النظام الأساسي والنظام الداخلي.
أهم وثيقتين حزبيتن تضعان ملامح مفهوم الديمقراطية في اتخاذ القرار داخل حزب العدالة والتنمية المغربي هما: ” الورقة المذهبية، البرنامج العام ” قد صدرت هذه الوثيقة سنة 2008 و ” أطروحة المؤتمر الوطني السابع، شراكة فعالة في البناء الديمقراطي” وهي صادرة سنة 2012 ، وهذا يعني أن هذين الوثيقتين هما تتويج لمسار من التجربة الفكرية في فهم معنى الديمقراطية وتجسيدها تنظيميا في اتخاذ القرار الحزبي.
من المضامين الهامة الواردة في الوثيقة الأولى، والتي لها علاقة بما نحن بإزائه، أن من أهداف الحزب تعزيز البناء الديمقراطي والذي يعني من الناحية السياسية توطيد الحريات العامة وتخليق الشأن العام وتنمية المجتمع المدني، وأن الإنسان هو ركيزة كل تنمية. ولا يكون هذا إلا بالمبادرة الحرة وإعادة الاعتبار لقيمة العمل. والذي يثير في المضمون العام للوثيقة هو التأكيد في كل لحظة على مفهوم الحرية وقيمة الإنسان وحقوقه. وهي المفاهيم الثاوية خلف كل فقرة تشير إلى برنامج الحزب السياسي.
أما الوثيقة الثانية فإنها تشير بشكل واضح إلى أن الاستبداد والتسلط والاستبداد هي مكامن كل مشكلات المجتمعات، لأنها مقدمة للفساد على كل الأصعدة في المجتمع. ولهذا تؤكد الوثيقة على ضرورة تدعيم فكرة النضال الديمقراطي، مما يعني من بناء لعلاقات تتأسس على التعاون والتواصل. وهنا أيضا تعود هذه الوثيقة للحديث عن الإنسان كدعامة لكل عمل سياسي ديمقراطي وكل تنمية. ولذلك فإنها تخصص قسما كاملا لمراجعة البناء الديمقراطي للذات الحزبية، إذ تقوم بقراءة نقدية للواقع التنظيمي وتقدم الحلول لتطويره ليكون أكثر انفتاحا وديمقراطية.

خامسا: الآثار التنظيمية والسياسية لمفهوم الديمقراطية في اتخاذ القرار في حزب العدالة والتنمية.
من الآثار الهامة التي أدت إليها فكرة الديمقراطية في اتخاذ القرار عند حزب العدالة والتنمية هي تحصين الحزب من النزاع الداخلي ومن الانقسام، ولهذا تفادى هذا الحزب ما سقطت فيه كثير من التنظيمات الحزبية في الساحة المغربية من انقسامات متواصلة بسبب عدم وضوح مفهوم الديمقراطية، وعدم وضوح مساطر تنزيل هذا المفهوم تنظيميا، فساد داخل التنظيم عدم الثقة بين الأعضاء فانقسمت التنظيمات.
من الآثار السياسية هي أن كثيرا من التنظيمات الحزبية قد نهجت نهج حزب العدالة والتنمية فيما بعد واستفادت من تجربته في اتخاذ القرار. لم تعد الديمقراطية إذن شعارا يرفع في وجه الدولة بينما أن التنظيم المطالب بالديمقراطية هو أبعد ما يكون عن الالتزام بها في كل محطاته وطرق اتخاذه للقرار. هكذا إذن نرى بأن المفاهيم هي قابلة للتطور مع بقاء القيم الإنسانية التي تحملها حاضرة ، في وضوح تام واحترام لحرية الإنسان وكرامته. إنها تجربة يجب أن تقرأ ولكن في نفس الوقت يجب أن تتطور لتحقيق مفهوم الشورى،وإن كان ذلك بتلاقح المفاهيم و انتقال المصطلحات.
خلاصة:
الديمقراطية في إطار الممارسة السياسية داخل التنظيمات السياسية هي ثقافة، وككل شكل من أشكال القافة فإنها تحتاج إلى نقل وتنشئة وتربية. وفي عالمنا العربي، على الخصوص، كانت أكثر التنظيمات فردية ودكتاتورية هي تلك التي رفعت شعار الديمقراطية، وتلك التي عارضت الدولة القائمة باعتبارها غير ديمقراطية. المثال الساطع عن هذا في تاريخنا السياسي هو حزب البعث. وكما يقال فإنه ” لاديمقراطية بدون ديمقراطيين”، فإن على التنظيمات السياسية أن تكون أعضاءها وتربيهم ديمقراطيا، أولا وقبل كل شيء، من خلال وضع آليات لاتخاذ القرار تكون عقلانية وواضحة وديمقراطية تسمح للجميع بالمبادرة والتفكير الحر والنقاش الهادئ. فجل التنظيمات السياسية التي اضمحلت والتي انقسمت كان ذلك بسبب غياب هذه الشروط في اتخاد القرار. وعكس هذا هي الفلسفة التي وجهت حزب العدالة والتنمية في نشأته وفي وضع وثائقه. ونعتقد أن استمرار الحزب في القيام بدوره والحفاظ على موقعه رهين بهذا النفس الديمقراطي، وكل ضعف في هذه الجوانب ستكون مؤشرات غير جيدة في صمود البنية الحزبية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.