المعارضة ليست في حاجة لدروس من المتساقطين على طريق الصمود والوفاء
فجأة تفتّقت قريحة البعض بغيرة مزعومة على الدستور وعلى المؤسسات وعلى المعارضة، وكتب فيما يشبه “دليل catalogue”، لممارسة المعارضة بمجلس النواب.
لمثل هؤلاء نقول بأن المعارضة بمجلس النواب، ليست في حاجة للدروس، وأنها تقوم بواجبها الدستوري والسياسي، وفق قناعاتها المؤسسة على الثوابت الوطنية والدستورية، مساهمة في ترسيخ هذه الثوابت، وفي الحفاظ على صورة ومكانة مجلس النواب، وأنه لا يمكن التلبيس على الرأي العام، وتضليله بقراءات مجتزأة للدستور، خادمة في العمق من يريد أن ينسف الدستور ويخرق مقتضياته.
لمثل هؤلاء نقول بأن المعارضة بمجلس النواب تتصدى لكل محاولات خرق الدستور، ومحاولات تبخيس البرلمان، وتهميش مبادراته، وخاصة مبادرات المعارضة، وتمتلك الشجاعة في كل مرة للتنبيه للتجاوزات والاختلالات، وتقدم صورة للوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي من زاوية أخرى، غير الزاوية التي ترى منها الحكومة، وهذا في الحقيقة هو جوهر عمل المعارضة، وهو الذي حكم المشرع الدستوري في صياغة الفصل العاشر.
ولا أدري كيف أن هذا البعض اختلطت لديه الأمور، حتى باتت عنده المعارضة جديرة بالمتابعة والمحاسبة، أكثر من الحكومة والأغلبية، وكأن الدستور أوكل للمعارضة التسيير والتدبير واتخاذ القرارات التنفيذية، واعتماد السياسات العمومية، في حين أن الحقيقة الدستورية والسياسية، تقول بأن المعارضة لها أدوار أخرى، وأن مسؤولية الحكومة والأغلبية أكبر ومؤطرة بالدستور، ولذلك أوكل الدستور مهمة الرقابة للبرلمان، وضمنه المعارضة، لتراقب الحكومة وتنبهها وتحاسبها، وليس العكس.
هذا البعض يبدو أنه يحاول تقديم “خدمة دستورية” غير فعالة وغير ناجعة، يفقد معها مصداقيته، لأن خرق الدستور وتعطيل مقتضياته، هي سمة باتت لازمة للحكومة والأغلبية، والرأي العام يعرف ذلك من خلال تنبيه المعارضة في كل مرة، ومنذ بداية الولاية التشريعية الحالية.
ألم يجد هذا البعض في إصرار الحكومة وأغلبيتها على خرق الفصل 100 من الدستور، المؤطر للجلسة الشهرية لرئيس الحكومة، ما يدعو للكتابة والترافع عن الدستور؟
ألم يجد هذا البعض في التضييق على مقترحات القوانين التي يتقدم بها أعضاء مجلس النواب، وخاصة المنتمون للمعارضة، ما يدعو للترافع عن حق المعارضة الدستوري، وحق البرلمان الأصيل، وفق مقتضيات الدستور؟
ألم يجد هذا البعض في إصرار الحكومة وأغلبيتها، على وأد المادة 152 من النظام الداخلي الحالي، ما يدعو للترافع عن المقتضيات الدستورية، وعن حق أعضاء البرلمان وضمنهم نواب المعارضة؟
ألم يجد هذا البعض في رفض عدد من وزراء الحكومة، مدعومين بأطراف في الأغلبية، الحضور لاجتماعات اللجان الدائمة بمجلس النواب، أو تدخلهم في اختيار المواضيع المطروحة للنقاش فيها، ما يدعو للترافع عن اختصاصات مؤسسة مجلس النواب، وعن حقوق المعارضة وفق ما هو منصوص عليه في الفصل 10 من الدستور، وفي النظام الداخلي لمجلس النواب؟
ولو كان هذا البعض صادقا في الدفاع عن الدستور وعن المؤسسات، لوجد بدل قضية واحدة، العشرات، يظهر فيها بشكل واضح وجلي، خرق الحكومة للدستور وللأعراف السياسية كذلك، ولكنه “عمى الألوان السياسية” عندما يصيب الفئة المنتفعة بالسياسة، الساعية لتحصيل سقط المتاع بمقالات واستشارات شاردة.
والحقيقة هي أن المعارضة باتت أكثر أهمية في الحياة السياسية الوطنية، وأكثر إثارة للمشاكل التي تعرفها البلاد، بصدق خطابها، وجديّة طرحها، وتماسك قراءاتها، وأثر مواقفها وقراراتها داخل مجلس النواب، وغطّت فعلا على عبث الحكومة وارتجالية سياساتها وإجراءاتها، ومهما بلغ التضييق عليها، ما تزال متمسكة بحقوقها الدستورية والسياسية، وتعبر بالموقف المناسب لكل حالة تضييق، وهو ما جعلها تضطر للانسحاب من جلسة الأسئلة الشفوية ليوم الاثنين 08 يوليوز 2024، والانسحاب من الجلسات، بالمناسبة، ليس بدعة ولا ممارسة محرمة، سبقت إليه مكونات سياسية، وستلجأ إليه أخرى، ولا ينبغي شيطنته أو محاولة إدانة المعارضة به، ومن لا يفهم في هذه الأمور عليه أن يعتزل فورا ممارسة السياسة.
ولكي يطمئن هذا البعض، وكل المتتبعين، فإن المعارضة بمجلس النواب، وضمنها المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، حريصة على التعاون وعلى ممارسة أدوارها، جاعلة المصلحة الحقيقة للمجلس وللبلاد، غاية مبادراتها، وجاعلة الدستور والنظام الداخلي، والخبرة البرلمانية، مرجعية واضحة لهذه المبادرات، ولن تنتظر دروسا أو تنظيرا، من المتساقطين على طريق السياسة والصمود والنزاهة والوفاء.