بوزيدان يكتب: مُنتخبون بلا اختصاصات

محمد بوزيدان


لم يتوقف النقاش والجدال منذ إصدار قانون 21/83 المتعلق بإحداث الشركات الجهوية متعددة الخدمات لتدبير الماء والكهرباء والتطهير السائل، حيث دفع عدد من الفاعلين بعدم دستوريته لأنه يتعارض مع المادة 83 من القانون التنظيمي 113/14، الذي يعطي للجماعة حصريا الاختصاص في تدبير هذه المرافق، ويمس الديموقراطية المحلية ومبدأ التدبير الحر الذي خوّل للمنتخبين الاطلاع بالمهام التي حددتها القوانين التي كانت موضوع الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية التي التزمت بالدفاع عن الصالح العام وخدمة المواطن انطلاقا من صلاحيات المجالس المنتخبة التي أجريت الانتخابات على ضوئها.
لكن المُدبّر للشأن المحلي الذي هو امتداد للأحزاب السياسية يُفاجَأ يوما بعد يوم بسحب الاختصاصات القليلة التي يتمتع بها، كما وقع في التعمير مثلا بإسناد الرأي الملزم للوكالات الحضرية بدعوى أن هذا القطاع يعرف انحرافات كبيرة من طرف المنتخبين، وها نحن أسندناه للوكالات الحضرية منذ سنوات فهل قضينا على الظواهر السلبية للتعمير بطنجة؟ وتهريب ما تَبقى من تلك الاختصاصات بعيدا عن المجالس المنتخبة، وإضعاف المنتخبين، وتعويم تدبير مرافق حساسة على قدر كبير من الأهمية في هيآت متضخمة عدديا، متفرعة عن المجالس الجماعية الأصلية التي صوّتت عليها الساكنة، التي لم يُحَدِّثها أحد في البداية عن مجموعة الجماعات أو الشركات متعددة الخدمات، بل الذي طرق بابها لإقناعها بالتصويت عليه هم أعضاء المجالس الجماعية الذين سيُبعد عدد كبير منهم من عضوية مجموعة الجماعات الترابية طنجة تطوان الحسيمة للتوزيع، بحكم التمثيلية النسبية للجماعات داخل المجموعة، ولن تربطهم أية رابطة مع قطاع حيوي كالماء والكهرباء والتطهير السائل.
كان المفروض أن يُجرى تقييم دقيق لتجربة التدبير المفوض وعمل شركة أمانديس غير المأسوف عليها بمدينة طنجة، والخلل الذي وقعت فيه حتى مسّت الأمن الاجتماعي أكثر من مرة، مما اضطر الفاعل السياسي المنتخب للتدخل لإطفاء الحريق، وهنا أُذكر بمظاهرات 2016 التي عمّت مجموعة من أحياء طنجة بسبب ارتفاع فواتير الماء والكهرباء وسوء معاملة الشركة وفشلها في التواصل مع المستهلكين، مما اضطر رئيس الحكومة حينها الأستاذ عبد الإله ابن كيران للقدوم لمدينة طنجة رفقة وزير الداخلية لعقد لقاء مستعجل مع المنتخبين والشركة، وتسطير مجموعة من الإجراءات الهادفة لتهدئة الوضع، ففتحت كل مقاطعة أبوابها لشكايات المواطنين وتم نقلها للشركة لحلها.
في غياب التقييم على المنتخبين الذين يملكون سلطة تدبير هذا القطاع، فإننا مهددون بالسقوط في نفس الأخطاء التي عرفتها شركة التدبير المفوض خاصة فيما يتعلق بالفَوترة والتسعيرة، وكذلك بالعدالة المجالية في توزيع خدمة لها خصوصية اجتماعية ولا تهدف للربح.
لمّا عُرض هذا الموضوع في الدورة الاستثنائية الصيفية لجماعة طنجة التي انعقدت يوم الأربعاء الماضي 24 يوليوز 2024، في غياب تام لأي نقاش مجتمعي حقيقي وكأن الرأي العام غير معني بكيفية تدبير قطاعاته الحيوية التي ستنعكس على معيشه اليومي، كما أن السؤال الأكبر يُطرح على المجتمع المدني الذي كان بالأمس القريب يتابع كل صغيرة وكبيرة، ويساهم في الوساطة بين المؤسسات والمواطنين، ويُبدع في كتابة تقارير وازنة حول مجموعة من القضايا الهامة على رأسها الماء والكهرباء، اليوم لا نسمع أثرا لهذا المجتمع المدني الذي انصهر جزء كبير منه مع الفاعل السياسي وأصبح منغمسا في التدبير، فَفقد استقلاليته وأصبح منتجا للسياسات العمومية وليس راصدا لها.
لمّا عُرضت هذه النقطة يوم الأربعاء الماضي وتدخلت الفرق السياسية، ظلّت العديد من التساؤلات دون جواب، وهو شيء طبيعي ما دام أن كل نقط جدول أعمال الدورة مقترحة على المجلس من ولاية جهة طنجة تطوان الحسيمة، في غياب تام لأية مبادرة من مكتب جماعة طنجة الحالي الذي كان عليه أن يتوقع ويستبق طريقة تدبير قطاع الماء والكهرباء ويُضَمنها في برنامج عمل الجماعة، والمكتب على دراية تامة بأن عقد شركة أمانديس سينتهي سنة 2026 أي في ولايته، لكن ضعف مبادرة الفاعل السياسي وتردده تجعل منه مكتب ضبط وغرفة استماع لا أقل ولا أكثر.
أتذكّر أن موضوع الشركات الجهوية عُرض على المجلس السابق، وحضرتُ إنْ بصفتي رئيس مقاطعة مغوغة أو رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس جماعة طنجة، عددا من اللقاءات، منها ندوة الرؤساء، ولقاء رؤساء الفرق السياسية المكونة للمجلس، وقُدّمت عروض متعددة حول الموضوع، وتم إشراك عدد من الجمعيات.
كانت خلاصة تلك المشاورات أن طريقة التدبير الجديدة غامضة لا وضوح فيها، والسرعة غير محمودة في مثل تلك الملفات الاجتماعية المؤثرة، فأرجأنا الموضوع لوقت آخر.
إن مجموعة الجماعات الجهوية يُنتظر منها أن تلتئم في دورات -بعد اختيار أعضائها الممثلين لجماعات ثمانية مدن بالجهة القروية منها والحضرية- لمدارسة القضايا المتعلقة بالماء والكهرباء والتطهير السائل، ولكي يكون اجتماعها صحيحا ينبغي أن تتوفر على النصاب القانون لانعقادها، ونحن نتابع اليوم كيف تجد بعض المجالس داخل المدينة الواحدة صعوبات لتعبئة المستشارين المنتمين لأحزاب الأغلبية المسيرة للحضور، فكم من دورة سقطت بسبب عدم توفر النصاب القانوني، والمستشارون يقطنون غير بعيد عن مقر الجماعة أو المقاطعة، فكيف إذن سيحضر مستشارون من مدن بعيدة ومن جماعات قروية نائية لحضور دورة لمجموعة جهوية قد يصل عدد أعضائها لـمائة وخمسين (150) فردا، لِمُناقشة مواضيع تقنية دقيقة، قد لا تُعطى الكلمة لكل من يطلبها بسبب ضيق الوقت وكثرة المتدخلين، وإكراه السفر! السيناريو الذي أتوقع حدوثه هو عدم توفر النصاب لا في الجلسة الأولى ولا في الثانية، وستنعقد الدورات في الجلسة الثالثة بمن حضر كما ينص القانون، وستجد تلك الأقلية الحاضرة نفسها تُقرر في مواضيع على درجة كبيرة من الأهمية تهم تراب الجهة المترامية الأطراف، وقد يَعمد البعض إلى جلب المشاريع للجماعة التي يمثلها عملا بالمثل الدارج “لي غاب غاب حقو”. وفي مخالفة صريحة للقانون التنظيمي 113/14 الذي ينص في مادته 133 أن إحداث مثل هذه المجموعات يكون بمدة زمنية محددة فالمشروع الذي يحدث مجموعة جماعات الجهة ينص على مدة غير محدودة.
وإذا كانت المادة 16 من القانون التنظيمي السالف الذكر تشير إلى تناسب عدد أعضاء مكتب الجماعات مع عدد الساكنة، فأعطى لكل جماعة يبلغ عدد مستشاريها أكثر من 61 مستشارا عشرة نواب للرئيس، فيما يكتفي في مجموعة الجماعات التي تمثل عشرات الجماعات، ومئات أو آلاف المستشارين برئيس وأربعة نواب فقط، ما المغزى من ذلك؟ من سَيمثل هذا العدد الهائل من المستشارين في لجنة التتبع؟ ومن له القدرة على مناقشة مرفق تقني يتطلب مهارات خاصة أو إرادة حقيقة حريصة على المصلحة العامة على أقل تقدير، لكن ليس ذلك ببعيد على كفاءات 8 شتنبر المجيدة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.