قال المفكر السنغالي الدكتور محمد سعيد باه، إن عموم إفريقيا، وخاصة بغربها، تنظر إلى ما تقوم به آلة الدمار الصهيونية المجنونة، التي تفتك بالإنسان وتحطّم كل ما حوله، بقدر كبير من الغضب العارم والخوف من المستقبل كذلك.
وأضاف سعيد باه في حوار مع الجزيرة نت، نشر الأربعاء، نحن نشعر بهذا المزيج، ليس لأن الصهاينة يرتكبون أبشع الجرائم في فلسطين فحسب، فهذا من طبيعة القوم لأن معتقداتهم وتصوراتهم للحياة أُسست على ركيزتي الكراهية واحتقار الآخر، وبالتالي فإن هذا السلوك الهمجي مما تعوّد الناس عليه منهم.
واسترسل، “إنما نشعر بالخوف وبالغضب، الذي ينتاب إفريقيا اليوم من أقصاها إلى أقصاها، لأن العالم واقف يتفرج على واحد من أبشع المشاهد في التاريخ الإنساني وأشدها إيلاما، بل وصلت المأساة إلى قيام بعض ذوي القربى بالمساعدة والمساهمة في هذه الجريمة التاريخية النكراء”.
وتابع المتحدث ذاته: “ولذلك ننظر إلى ما يحدث هناك بأنه استهداف للفلسطينيين في المقام الأول، لكنه في النهاية استهداف للإنسان في بشريته وفي تاريخه وفي قيمه، لأن معنى ما يحدث في فلسطين من جانب آخر هو افتقاد الأمل في بقاء أو صلاحية منظومة القيم التي تواضع عليها البشر عبر التاريخ”.
محاسبة الكيان
عبر المفكر السنغالي عن تثمينه الكبير لما قامت به جمهورية جنوب إفريقيا لمحاصرة الكيان الغاصب قانونيا وسياسيا بهذا الحشد من الأدلة القاطعة نيابة عن كل الأفارقة الشرفاء الذين يناصرون الشعب الفلسطيني العزيز في جهاده وكفاحه ضد المحتل الغاصب، ونيابة عن كل أحرار العالم.
واسترسل: “كما نشكر كل الدول والمؤسسات الإفريقية وغيرها التي انضمت إلى هذه الهبّة الإنسانية وآزرت هذه المبادرة التاريخية، التي تعتبر من أكثر الضربات التي انهالت على الصهاينة إيجاعا وتعرية”.
وبخصوص ضعف التفاعل الشعبي الإفريقي مع فلسطين، قال سعيد باه، إن ما يظهر من التقاعس لدى الشعوب الإفريقية، من تخوم الصحراء إلى شطآن البحر الأحمر، فالأمر خلاف ذلك، في الواقع هناك تحرك وثمة تعبئة، بل نشاهد موجة عارمة من الكراهية ضد الصهاينة، ومثلها من التعاطف المتنامي مع الشعب الفلسطيني ومع التيار المقاوم، لكن لظروف معروفة ومقبولة فإن التمظهر لم يأخذ الشكل الذي نراه في بعض الساحات العالمية مشرقا ومغربا.
وأضاف، “من هذه العوامل المقيّدة خضوع بعض الأنظمة الإفريقية للاختراق الصهيوني، وإن بدرجة أقل مما وقع في معظم دول العالم العربي. ثمة عنصر آخر معيق للتعبير الشعبي يتمثل في تراجع الدعم العربي للفلسطينيين، وهو ما يستغله المُغْرضون ليحاجّوا بالقول: لا تكونوا ملكيين أكثر من الملوك”.
وشدد أنه “ليس من بين ساكنة هذه الأرض من هو أليق بالإحساس بما يكابده الشعب الفلسطيني من صنوف الظلم وأنواع القهر ولا أحق بمؤازرة صمود الشعب الفلسطيني وجهاده من الأفارقة، لأنهم تجرعوا طيلة ثلاثة قرون عجاف كؤوس الاحتلال البغيض مترعةً”.
مواجهة الاحتلال
قال المفكر السنغالي إن الأفارقة يملكون عدة خيارات وجملة آليات لمواجهة الاحتلال للأرض والتنكيل بالشعب الفلسطيني، منها الوزن الاقتصادي والضغط السياسي والحصار الإعلامي وقبل ذلك وبعده القطيعة الدبلوماسية.
واستدرك، لكن كل هذا العمل يحتاج إلى توفير شروط موضوعية، من أهمها المزيد من التفعيل لصناعة رأي عام عن القضية الفلسطينية، تبدأ بكسر الرواية الصهيونية وتفنيد ونقض سردياتهم المضلِّلة، وذلك كله من خلال إعادة تشكيل الرأي العام الإفريقي فيما يخص الرواية التاريخية الصحيحة لمسيرة الشعب الفلسطيني وكفاحه ضد المحتل الغاصب، وهنا يأتي دور التيار الإسلامي الإفريقي في بذل مزيد من الجهد لتحشيد القوى الحية لتصطف إلى جانب الفلسطينيين، وبذلك يتغير كثير من المعادلات بخصوص مناصرة فلسطين في القارة.
يذكر أن الدكتور محمد سعيد باه متخصص في الفكر الإسلامي والحضارة، ويصنف ضمن الإصلاحيين، ودرّس في عدد من الجامعات والمعاهد، وهو عضو الأمانة العامة لمنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة (حاليا)، وعضو الأمانة العامة للائتلاف العالمي لنصرة القدس وفلسطين (حاليا)، ومؤسس والكاتب العام لاتحاد المنظمات الطلابية للمدارس الإسلامية في السنغال، وعضو مؤسس والأمين العام للمنتدى الإسلامي للتنمية والتربية في السنغال، وعضو مؤسس في حركة الإصلاح للتنمية الاجتماعية في السنغال (حزب سياسي سنغالي).