[ After Header ] [ Desktop ]

[ After Header ] [ Desktop ]

[ after header ] [ Mobile ]

[ after header ] [ Mobile ]

محمد عصام يكتب: الانتخابات الجزئية بدائرة الموت بالرباط.. هل تحيي السياسة؟

انطلقت الحملة الانتخابية الجزئية بدائرة المحيط بمدينة الرباط، وهي الدائرة التي درج الإعلام الوطني على تسميتها بدائرة الموت، أولا لرمزيتها السياسية، ثم أيضا لطبيعة الوجوه التي ترشحها الأحزاب في هذه الدائرة، والتي غالبا ما تكون لها مواقع متقدمة في القيادة التنظيمية لتلك الأحزاب، مما يجعل منسوب الرمزية السياسية للدائرة يتضاعف، ولهذا تبنى على هذه الدائرة كثير من الحسابات وتصاغ على ضوء نتائجها خلاصات وقراءات سياسية بأبعاد كبيرة وعامة.
الانتخابات الجزئية التي ستشهدها الدائرة، جاءت على إثر قرار المحكمة الدستورية بعزل النائب البرلماني للتجمع الوطني للأحرار على خلفية قضايا تتعلق بالفساد، وهي قضايا بدأت منذ مدة في إسقاط وهم الكفاءات الذي “سُحرت به أعين الناس ” في انتخابات شتنبر، ومعه بدأت تتساقط الرؤوس كما تتساقط أوراق الخريف، يكفي فقط أن نعرف أن هناك أزيد من 30 برلمانيا من الغرفتين تمت إدانتهم بأحكام قضائية ومنهم من يوجد خلف قضبان السجن سواء لتنفيذ عقوبة حكم حائز على قوة الشيء المقضي به، أو في حالة متابعة في حالة اعتقال، كما أن الجماعات الترابية لتي تسيرها “الكفاءات” ذاتها تعرف أيضا نفس المصير، وبدأ الخريف السياسي مبكرا فيها بسقوط عدد من الرؤساء والمستشارين.
وعليه فإن الانتخابات بدائرة المحيط، رغم كونها انتخابات جزئية لن تغير من الخريطة السياسية شيئا، فإنها تطفح برهان سياسي أساسي مصيري، قد يصل درجة الحياة أو الموت، فالأمر هنا يتعلق بمحاكمة تجربة سياسية أفرزتها محطة الثامن من شتنبر 2021 بكل ما رافقها من اختلالات يعرفها الجميع، وما أفرزته من نخب سرعان ما بان عوارها وتلبسها بالفساد وتضارب المصالح بالإضافة إلى قلة الحلية وانعدام الكفاءة، وكل هذا في سياق تضخمي زاد من حدة الضغط على الطبقات الاجتماعية الهشة والمتوسطة، وفاقم العجز الاجتماعي في عز تنامي خطاب وشعار “الدولة الاجتماعية”، يوازي ذلك تراجع مؤشرات الثقة وإلحاق أضرار بالغة وفادحة جراء كل ذلك بالسياسة والممارسة السياسية عموما.
إن الرهان الأساسي لهذه الانتخابات بكل وضوح، هو هل يملك المغاربة بقية من القدرة والتحمل للتعايش مجددا مع هذه الرداءة السياسية التي أفرزتها انتخابات 2021؟ أم أن الفضائح والفشل الذي راكمته نخب الثامن من شتنبر قد أوصلت المغاربة إلى مرحلة تبين الخيط الأبيض من الأسود، وأنهم لن يكونوا من الصنف الذي يلدغ من الجحر مرتين أو عشرات المرات؟
بمعنى آخر، إنه لم يعد مقبولا بعد كل الذي جرى أن يتم استنساخ نفس التجربة واجتراح نفس المقدمات وانتظار نتائج مختلفة، فالقوم أبانوا عن عجز مزمن وشامل، وكل المؤشرات الوطنية والدولية تقول أننا نراكم في التراجعات ونجني الأصفار تلو الأصفار، وعليه فإن التصويت على مرشح الأغلبية وحزبها الأول في هذه الانتخابات لن يكرس إلا حالة اليأس من شفاء السياسة في هذا البلد، وسيعمق جراحاها، وبالتالي سيبدد الأمل في أي تغيير مرتقب.
قد يقول البعض أن هذه القراءة فيها تحميل لهذه المحطة الجزئية أكثر مما تحتمل، لكني وإن كنت أوافق على محدودية المحطة باعتبار عائدها ونتائجها على الخريطة السياسية، إلا أن حمولتها السياسية لا يمكن أن تخطئها العين.
ورهاننا في العدالة والتنمية وكما هي عادة الحزب في سلوكه السياسي الذي خبره المغاربة، سيركز على استثارة وعي الناس بأهمية المحطة، وسيستثمر في رفع منسوب إدراك المواطنين للدلالات السياسية لهذه الانتخابات، باعتبارها ستكون جوابا على الفشل المريع الذي راكمته نخب الثامن من شتنبر، ومؤشرا على انتعاش السياسة وإعادة الحياة لها، بعد ضروب الاستهداف والتبخيس الذي تعرضت له، وعليه لا يمكن لنا إلا نتسلح بالأمل وأن نقبض على جمر “الممانعة” بقوة، في مواجهة هذا التنميط الجارف الذي ينشر الرداءة ويفرغ السياسة من محتواها ويتوسل في ذلك بكل الأساليب الناعمة والخشنة، وكذلك الواضحة وتلك التي من وراء حجاب، ولكن الله غالب على أمره ولوكره المرجفون.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.