محمد عصام يكتب: طبخة 8 شتنبر..استحالة تطبيق نفس الوصفات وانتظار نتائج مخالفة

محمد عصام


اليوم مرت ثلاث سنوات على النتائج المعلنة برسم انتخابات 8 شتنبر 2021، ومع كل هذا الزمن الذي مر أصبحت الرؤية اليوم أكثر وضوحا، ولم يعد بإمكان أي جهة أن تستر أو تتستر على المأزق الذي تعيشه السياسة ببلادنا.
قبل سنة كنت قد كتبت في هذا الركن بأن 8 شتنبر، إعلان لموت السياسة في هذا البلد الأمين، وأن المال أحكم قبضته على السياسة وخنق مخرجاتها، لكن اليوم، الأمر أصبح أكثر وضوحا، بعد ظهور الثمار الخبيثة للخلطة التي تم طبخها، من خلال توالي المتابعات والأحكام النافذة في حق نخب تلك المحطة سواء بالمؤسسة التشريعية أو الجماعات الترابية، وأصبح الحديث عن هذه المتابعات خبز الإعلام اليومي ووسائل التواصل الاجتماعي وعموم أحاديث الناس في منتدياتهم ومجالسهم.
يكفي فقط أن نشير أنه هناك اليوم أكثر من 30 متابعا أو محكوما في قضايا فساد وخيانة الأمانة وغيرها من داخل غرفتي البرلمان، وأكثر من ذلك في الجماعات الترابية، وهي أرقام غير مسبوقة في تاريخ السياسة ببلادنا.
كما أن كثيرا من الأغلبيات التي تسير الجماعات قد انفرط عقدها، كما أنه اتضح بالملموس ومن خلال الواقع الذي لا يرتفع بأن شعار “الكفاءات” كان أكبر وهم تم تسويقه في سوق السياسة في هذا البلد، ذلك أن نخب 8 شتنبر اليوم تقف عارية أمام التاريخ وأمام الوطن والمواطنين، ولم تعد كل وصفات الزيف تستطيع إخفاء ومداراة الرداءة وقلة الحيلة وعدم الكفاءة التي تغرق فيها هذه النخب، إلا في اجتهادها في جمع المزيد من الامتيازات والثروات غير المشروعة.
لكن نحن هنا وبهذه المناسبة لسنا في معرض تشخيص هذه الأعطاب أو حصرها عدا، فهي أصبحت اليوم مكشوفة أمام الناس إلا من أبى أو من في قلبه مرض أو على عينه غشاوة، بل نحن هنا لنعلق الجرس مرة أخرى، ونقول بكل وضوح أننا في مأزق حقيقي، وأن الأزمة تتمدد وأن لا أحد يمكنه التنبؤ بمآلات الوضع في غياب إدراك حقيقي لحجم الأضرار التي لحقت السياسة جراء هذه “النخب” وما سينتج عن ذلك من فقدان الثقة في المؤسسات ومن يمثلها عموما.
اليوم اتضح بما لا يدع مجالا للشك أو الارتياب، بأن وصفة 8 شتنبر، غير مفيدة، وأن ضررها أكبر من النفع الذي توهمه البعض، والذي حدد في هدف محدود وبسيط جدا يتعلق بإبعاد العدالة والتنمية، في مقابل أضرار كبيرة على المسار الديمقراطي والتنموي ببلادنا وعلى ثقة المواطنين والشباب منهم بالخصوص في جدوى العمل السياسي والمساهمة في تدبير الشأن العام الوطني والترابي.
نقول هذا الكلام لأن الرهان على حلول غير طبيعية يتم إسقاطها على المشهد بأدوات المال والنفوذ والإعلام وغيرها، وتبريز بروفيالات بدون تاريخ نضالي ولا عمق مجتمعي ولا رؤية سياسية أو تصور مجتمعي، مآله الفشل الذريع.
ولبيان ذلك نقول إنه ومنذ الاستقلال إلى اليوم، كان الرهان دائما على التحكم في المشهد وتفادي صدمات المفاجئات التي يمكن أن تخرج من رحم الإرادة الحرة للمواطنين، وعليه وفي كل محطة وكل سياق يتم إنتاج وافد جديد يتم ترويض كل شيء لصالحه وحمله إلى قمرة القيادة بشكل متحكم فيه وإن بدا من حيث الشكل أنه نتاج إرادة شعبية.
وأمثلة ذلك كثيرة منذ أول انتخابات الى أن تم الرهان في 2008 على حزب التحكم الأكبر، والذي أصبح بقدرة قادر يتوفر على فريق نيابي بسبعين عضوا من دون أن يكون مشاركا في الانتخابات التي أفرزت ذلك المجلس بل لم يكن موجودا حينها، حتى وجد نفسه، أو قل بطريقة أصح حتى وجده المغاربة بفريق قوي بذلك الحجم قبل أن يمنى هذا المشروع بهزيمة مدوية بفضل تصدي حزب العدالة والتنمية وأمينه العام له ولأهدافه التسلطية والتحكمية في المشهد السياسي، وهي المواجهة والهزيمة التي جنبت المغرب مخاطر كبيرة وجعلته يواجه بسلام رياح ومطبات الربيع العربي.
واليوم الجهة التي أفتت بوصفة أخنوش، وهي تظن أنها بذلك تتدارك أخطاء الرهان على البام، حيث عوض تجميع الأعيان ومعهم فلول اليسار في حزب واحد، كانت الوصفة تنبني على تقليد نموذج العدالة والتنمية، بمحاولة خلق حزب بهيئات ومؤسسات من شبيبة ونساء وفئات، والرهان على الكسب التنظيمي دون التفريط بطبيعة الحال في الكائنات الانتخابية التي تحترف الانتخابات وتعرف من أين تؤكل الكتف، بالإضافة إلى أصحاب “الشكارة” وممتهني زواج المال بالسلطة، لكن هذه الوصفة بالنتائج البادية للعيان، أكدت مرة أخرى أن مصير كل الوصفات المصطنعة لا تختلف في شيء عن بعضها البعض، وأنها فاشلة حتما، لأنها ببساطة لا تمتلك شرطا أساسيا لحياة المشاريع السياسية، ويتعلق الأمر بالعمق المجتمعي والشعبي والنفس النضالي ونكران الذات، والذي لا يمكن تأسيسه إلا على فكرة واضحة يتم ضخ الحياة فيها عبر كسب المناضلين في الميدان، الذين يحملون الفكرة في وجدانهم ويفدونها بأرواحهم وأوقاتهم وكل ما يملكون، لأنها تشكل مصيرهم الذي اختاروه بمحض إرادتهم وبكامل حريتهم، وليس من خلال وهم تجميع “كل الديمقراطيين” أو وهم جمع “الكفاءات” لا لشيء إلا لمواجهة مولود طبيعي نابع من أعماق الشعب ومرجعيته والذي يمثله حزب العدالة والتنمية.
إن مثل هذه المشاريع لا يمكن لها أن تعيش أبدا وان تنفع البلاد والعباد مهما تلبست بالنفوذ والقوة وسطوة المال والإعلام، كما أن المشاريع السياسية الحقيقية لا يمكن قتلها أو اجتثاثها من تربة المجتمع لأنها غير مرتبطة بشخص أو سياق معين بل هي مشاريع مرتبطة بفكرة الاصلاح الأصيلة والمتأصلة والتي يمكن تجديدها كلما دعت الضرورة وذلك من خلال إنعاش التفكير الجماعي والنضال الميداني.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.