تصريح بلينكين: ملاحظات على خطاب الخارجية الأمريكية بشأن الصحراء المغربية

تشير تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين ، المتعلقة بالصحراء المغربية، بمناسبة لقائه المشترك الأخير مع نظيره المغربي، إلى دلالات سياسية هامة تستدعي ملاحظات جوهرية يمكن تلخيصها في ثلاثة عناصر رئيسية: كلمتان تحملان دلالات خطيرة، كلمتان غائبتان، وموضوع اختفى عن الخطاب.

الكلمتان الخطيرتان

الأولى تتعلق بوصف بلينكين لمقترح الحكم الذاتي المغربي بأنه “منطلق محتمل”، مما يفتح المجال أمام خيارات متعددة، دون أن يُفهم أن هذا الاقتراح يمثل الحل الوحيد. وهذا يتناقض مع المواقف الثابتة لعدد من الدول المساندة للمقترح المغربي، بما في ذلك الموقف الأخير للخارجية الإسبانية التي اعتبرت هذا الاقتراح “الحل الوحيد”.

أما الكلمة الثانية فهي “شعب” الصحراء الغربية حيث كان من الأنسب أن يستخدم بلينكين مصطلحات مثل “ساكنة” أو “قاطنو” الصحراء الغربية، ذلك أنه إذا اعتبرت الخارجية الأمريكية هذه الساكنة “شعبًا”، فإن ذلك يعني ضمناً وجود شعب آخر غير الشعب المغربي، مما يتعارض مع الاعتراف بمغربية الصحراء.

الكلمتان الغائبتان

تتمثل الأولى في مفهوم “السيادة”، إذ أنه بعد توقيع الاتفاق الثلاثي، اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. لذا كان منتظرا من الإدارة الحالية أن تُعبر بوضوح عن موقفها، مؤكدة أن أي حل “محتمل” يجب أن يتماشى مع هذه السيادة التي خلا تصريح بلينكين من أي إشارة إليها.

أما الكلمة الثانية الغائبة، ذات العلاقة بالأولى، فهي “الاعتراف” الأمريكي بمغربية الصحراء، حيث يبدو أن الولايات المتحدة قد عادت إلى منطقة رمادية يلفها التعميم والغموض.

موضوع اختفى

أما الموضوع الذي اختفى، فيتعلق بغياب الإشارة إلى “القنصلية الأمريكية” التي سبق التعبير عن عزم الإدارة الأمريكية تشييدها وافتتاحها بالداخلة. وقد أرجعت بعض التحليلات عدم تشييد القنصلية إلى رفض الكونغرس تمويل المشروع، إلا أن الخارجية الأمريكية كان بإمكانها أن تجد الصيغة المناسبة للحديث حول هذا الموضوع بدل التمادي في تجاهل الحديث عنه وكأنه لم يكن ضمن التزامات سابقة للإدارة الأمريكية في سياق الاتفاق الثلاثي..

قد يُعتقد أن احتمال عودة ترامب إلى الرئاسة يمكن ان يعيد الأمور إلى نصابها، وقد يكون هذا هو الرهان الاستراتيجي لدى البعض، لكن الثابت لحد الآن، أن الغموض يضل سيد الموقف بشأن التعاطي الأمريكي مع ملف الصحراء، مما لا يتماشى مع تطلعات المغرب، خاصة بعد الآمال التي عُلقت عل هذا الموقف إثر توقيع الاتفاق الثلاثي. ولذلك فإن الوضع الراهن، من خلال مثل هذه التصريحات المطاطة والمثيرة، يطرح تساؤلات جدية حول موقف الولايات المتحدة من مغربية الصحراء، مما يثير قلقاً مشروعاً وحاجة ملحة لإعادة تقييم وتقدير، لا سيما وأن المغرب انخرط بمقتضى الاتفاق الثلاثي في التزامات إقليمية صعبة لم يجن من ورائها إلا السراب الذي طالما تم التحذير منه، ومنه على ما يبدو سراب الموقف الأمريكي من ملف وحدتنا الترابية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.