محمد بوزيدان: ميزانية جماعة طنجة بين الأرقام الصامتة والأثر الميداني
استمعت قبل قليل لحلقة حوارية بإذاعة طنجة حول ميزانية جماعة طنجة لسنة 2025، التي صادق عليها المجلس في دورة عادية يوم الجمعة 04 أكتوبر 2024 بالأغلبية بعدما رفضها فريق العدالة والتنمية. نقاش اليوم دار حول المصاريف بعدما خصصت حلقة الأسبوع الماضي لشق الموارد، حيث فصّل ممثلو الأغلبية والمعارضة في بنية الميزانية وأولوياتها.
أسجل أولا السلاسة التي يتم بها التأشير على ميزانية جماعة طنجة منذ بداية المجلس الحالي، وهو أمر إيجابي لكنه لا يتم مع جميع المجالس، ففي المجلس السابق (العدالة والتنمية) كانت وثيقة الميزانية تتحول إلى كرة التنس بين مصالح الولاية والجماعة، وقد لا يؤشَّر عليها في النهاية فيتطلب الأمر إعادة الدراسة والتصويت من جديد، وقد يستغرق ذلك شهورا أخرى من العمل. بجانب ذلك يتم حشد “المُتَيَّمِين” بمتابعة الشأن المحلي الذين كانوا يحضرون بالعشرات للدورات بمصاحبة السلاسل لممارسة كل أشكال الفوضى والعنف اللفظي الذي كان قاب قوسين أن يتحول في بعض اللحظات إلى عنف جسدي لولا الألطاف الإلهية. دون تدخل ولا حماية من أحد!
سمعت من ممثل المكتب أن أرقام الميزانية ارتفعت، والفصول تطعمت، ومنح المقاطعات تزايدت، وحصة دعم الجمعيات ازدهرت، ومبالغ الإنارة أضاءت الأوراق فقط، أما الحفر والطرقات فقد خصصت لها ميزانية استعجالية مخافة تعثر المواطنين، وشركات التدبير المفوض كالنظافة أخذت مقابل خدماتها كاملا كما ينص دفتر التحملات. إذن لا توجد مشاكل ولا حجوزات مالية بالملايير كما وقع مع المجلس السابق (العدالة والتنمية)، حيث كانت الاقتطاعات تتم من المنبع. بالمقابل نبارك للمجلس الحالي الزيادة في مبلغ الضريبة على القيمة المضافة (TVA) التي يُسوِّقها البعض على أنها إنجاز كبير للمجلس، ونتيجة ترافع منقطع النظير وصل صداه لوزارة الداخلية فسارعت للاستجابة، والحقيقة أن مبالغ (TVA) تعممها الوزارة على كل جماعات المغرب بشكل تلقائي. ونبارك له فتح المجال للتوظيفات الذي كان متوقفا في عهد المجلس السابق، ونتساءل مع المقاطعات هل تتوصل بمنحتها كاملة؟ وإذا توصلت بها كم هي نسبة صرفها؟
رغم ذلك فالخدمات الجماعية في تردٍّ مستمر (La chute)، اسألوا عن مصابيح الإنارة التي أصابها العمى منذ شهور والنظافة المأسوف عليها، فلا تتحرك آليات الإنارة ولا تتغير حاويات الأزبال إلا للمحظوظين والمقربين، وهو الأمر الذي أشار إليه ممثل مكتب جماعة طنجة في البرنامج المذكور وأنا أوافقه على ذلك، حيث صرح أن هذا الأمر يخضع لحسابات سياسية، والله لم يكذب الرجل! وهذه القطاعات كانت مجالس المقاطعات السابقة تخصص لها لقاءات أسبوعية تضم المواطن وممثل الشركة والمنتخب المكلف الذي يسهر ويتابع، وبفضل تلك المتابعة تم تخليص مدينة طنجة من نقطة سوداء كبيرة اسمها المطرح العمومي، من يتذكر ذلك! وليس كما سيفعل مكتب الجماعة الحالي بتكليف أحد مكاتب الدراسات بالمتابعة.
في تقرير عمدة طنجة الافتتاحي لدورة أكتوبر أخبرنا بأنه تم تنظيم استقبال وفد من دولة الشيلي احتفاء بالشاعر بابلو نيرودا، وتم تضخيم هذا الحدث بالصور الكثيرة والمختلفة الزوايا، وكأن جماعة طنجة رائدة في العمل الثقافي؟ والحال أن جدول أعمال الدورة المذكورة كان خاليا من أية نقطة تهم العمل الثقافي أو الاجتماعي أو الرياضي، لا مبادرة ولا نشاط! والثابت أن العمل الجماعي ينبع من عمق المجتمع ويتفاعل مع قضاياه ويعكسها في برنامجه ويمثل قاطرة للعمل المدني بالمدينة لكن العكس هو الحاصل الآن. ولماذا لم يتم ذكر برنامج عمل الجماعة في الميزانية ولا تذكر أحد ما المكتوب في تلك الأوراق التي صادقنا عليها وذهبت أدراج الريح؟
عَلمنا كذلك أن مركز بوكماخ خصصت له ميزانية هامة لصيانته، والجدير بالصيانة هو طريقة تدبير ذلك المركز، المفتوح على مصراعيه في وجه البعض والمغلق في وجه البعض الآخر. المركز كانت تسيره جمعية نظمت فيه وخارجه أياما دراسية، وندوات علمية، وأصدرت ثلاثة كتب حول تاريخ مدينة طنجة: طنجة في العصر الوسيط، وطنجة تحت الاحتلالين البرتغالي والإنجليزي، وطنجة في العهد العلوي، أما الآن فلا أثر لذلك.
تُركز بوابة الجماعة في وسائل التواصل الاجتماعي على التغطية الإعلامية المكثفة لأشغال الرئيس والمكتب، وهذا في حد ذاته شيء إيجابي للتسويق الترابي لعمل المنتخبين، لكن السؤال هو ما أثر ذلك على ساكنة مدينة طنجة، وهل تلمس تحسنا في معيشها اليومي وتحسنا في خدماتها الإدارية؟ كيف أصبحت غدارة الجماعة والمقاطعات؟
مع كل هذا التوثيق نتساءل أين هي حصيلة المجلس ونحن في نصف الولاية؟ كيف نسوق للصور ولجان المجلس خاوية على عروشها، نُستدعى للجان لمناقشة مواضيع هامة لكننا نصطدم أمام غياب المعلومة وغياب مستشاري الأغلبية، والغريب أن بعضهم يتجول وقت انعقاد اللجان التي هم أعضاء فيها في ردهات الجماعة دون أن يلتحق بها (ما عندو بو الوقت).
كنا ننتظر أن تتحسن الأوضاع ما دام أن الحكومة ومجالس الجهات والجماعات والعمالات والأقاليم من نفس التشكيلة السياسية وهو ما لم يكن في الولاية السابقة، لكن الواقع الذي لا يرتفع أوضح أن مؤلف حكاية الكفاءات تفوَّق على خيال مؤلف ألف ليلة وليلة، وأصبح المنتخب هو العملة النادرة التي يبحث عنها المواطن ولا يجدها، كبقّال الحومة الذي كان يختفي في عيد الأضحى، لكن اختفاء المنتخبين (دون تعميم) يصل لست سنوات متواصلة، وهذه ضريبة التصويت المصلحي!