محمد خيي الخمليشي
من كرامات يحيى السنوار وعظمته، في حياته ومماته، أن العدوّ نفسه قدم لنا صاغراً الرواية التي ستخلده في وجدان كل حر في هذا العالم.
العدوّ نفسه، بإمكاناته وطائراته الاستطلاعية والدرون المسخرة لديه يقدم للعالم شهادة ولادة رمز للتحرر والصمود والمقاومة.
العدو نفسه يروي بغباء تفاصيل المشهد الأخير من سيرة وحياة مقاوم استثنائيّ في كل شيء.
العدوّ الغبي نفسه جسّد لنا الفصل الأخير من ملحمة خالدة وأسطورية.
كان يمكن أن لا يصلنا شيء عدا خبر ارتقائه، كان يمكن ان نُحرمَ الصورة التي سنحتفظ بها طويلا في ذاكرتنا.
لكن القدر عاجلهم، لم يتكتموا على المشهد، استخفهم الطرب لمقتله.
يا له من مشهد معجز؛ جلس على أريكة المجد وسط الدمار، شامخا، وحيدا يواجه رتلا من الدبابات، بعد أن ارتقى رفاقه قبله، جلس يتأمل نهاية مسار تمنى مرارا أن تكون خاتمته الشهادة، وقد نال المراد.
بقي يحيا ثابتا، هادئا، يقبض على جرحه النازف ممسكا بعصاه، مقاوما حتى الرمق الأخير… حتى النفس الأخير… حتى النبض الأخير.
لله دره من مجاهد أحاطت به هالة الأسرار ورافقته حتى وداعه الأخير. كيف جعلهم يصورون مشهد المجد والفخر هذا وينقلونه صاغرين إلى العالم؟
كيف حرمهم صورة النصر؟ كيف احتال على استخبارات الغرب مجتمعة حينما عجزت عن ملاحقته؟ كيف ألقى بسرديتهم في قمامة الأزبال؟ كيف جعلهم يثبتون للعالم بأنفسهم بأنهم كذبة وأنه الصادق؟ بأنهم جبناء وأنه الشجاع الباسل؟ كيف ألقى في وجههم قنبلته الأخيرة؟ كيف خاض معهم الاشتباك الأخير مقبلا غير مدبر؟ كيف رمى أخيرا بعصاه في وجه السحرة؟
هي مجرد قطعة من خشب كان يتكئ عليها بعد أن أصيب بشظايا قذيفة، ولكنه اختار في لحظة فاصلة وقد تراءى له مصيره المحتوم، أن يقذف بها في وجه الدرون وما ترمز إليه من سطوة وغطرسة. لن تجدي تلك العصى شيئا، لكنه الاصرار وعناد المقاوم الذي يسكنه. هكذا أسدل الستار على المشهد الأخير من حياة ملحمية مطرزة بصور كفاح مقدس لم ينقطع يوما.
ألقى بعصاه في وجه جبروت وطغيان عالم ظالم متواطئ، ملخصا فلسفة الرجل ونهجه في التشبث بروح المقاومة حتى الرمق الأخير…