[ After Header ] [ Desktop ]

[ After Header ] [ Desktop ]

[ after header ] [ Mobile ]

[ after header ] [ Mobile ]

حميد بحكاك يكتب: القمة 16 لمجموعة البريكس+ .. نحو قطبية جديدة

د.حميد بحكاك*


 

مقدمة
عقدت مجموعة البريكس قمّتها السادسة عشر تحت شعار “تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين” في مدينة قازان في روسيا في الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر. وحضر هذه القمة ثلاثون دولة، بما في ذلك الأعضاء المؤسسين وهم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، يضاف إليهم الأعضاء الجدد في مجموعة البريكس +، وهم مصر وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة وإيران والمملكة العربية السعودية، هذه الأخيرة لم يحسم في عضويتها بشكل نهائي(غياب محمد بن سلمان عن القمة وحضور وزير الخارجية). وقد أعربت دول أخرى عن رغبتها في الانضمام إلى التحالف، إذ قدَم أكثر من 30 دولة مثل تايلاند وماليزيا وتركيا وأذربيجان طلبات رسمية للانضمام أو أعربت عن اهتمامها بذلك، مما يعكس سمة التوسع والانتشار لهذا القطب الاقتصادي الصاعد، وسبق انعقاد هذه القمة اجتماع في منتدى أعمال البريكس الذي عقد في مركز التجارة الدولي في موسكو يومي 17 و18 أكتوبر 2024.1
وتضمن جدول أعمال هذه القمة مسائل تتعلق بهيكلة مؤسسات المجموعة، والسلام العالمي والتعددية القطبية بالإضافة إلى القضايا المالية والاقتصادية كاستعمال العملات المحلية للدول الأعضاء في التعاملات التجارية والمالية لتقليص الاعتماد على الدولار.

أولا: مجموعة البريكس السياق والأهداف المعلنة

جاء تأسيس دول البريكس في سياق مواجهة الهيمنة الغربية على الصعيد الاقتصادي ممثلا في مجموعة السبع G7 ومواجهة الدولار كعملة عالمية والنظام العالمي المالي الذي “تحول إلى أداة للمواجهة الجيوسياسية “كما صرح بذلك رئيس جنوب إفريقيا في القمة الخامسة عشر التي انعقدت في جوهانسبورغ سنة 2023 بجنوب إفريقيا 2.
ورغم أن البريكس يظهر كما لوكان ناديا اقتصاديا لدول الجنوب الصاعدة، فإن وراء الخطاب الاقتصادي المعلن لزعماء دول البريكس رغبة في خلق توازن عالمي يقوم على نظام دولي متعدد الأقطاب3، بدل الأحادية القطبية أو الثنائية القطبية التي رجعت وعكستها الحرب بين روسيا أوكرانيا التي تحولت إلى ساحة للمواجهة بالوكالة، كما كان يحدث أثناء حقبة الحرب الباردة (1945-1991) حيث أمريكا وحلفاؤها (الاتحاد الأوروبي) وروسيا وحلفاؤها (الصين، إيران، كوريا الشمالية).
وانتقلت مجموعة البريكس من أربع دول مؤسسة إلى تسع دول الآن، وفي هذه القمة تمَ قبول 13 دولة كــــ “أعضاء شركاء”، في انتظار القبول النهائي بالعضوية الكاملة وهذه الدول هي: بيلاروسيا، بوليفيا، كوبا، إندونيسيا، كازاخستان، ماليزيا، نيجيريا، تايلاند، تركيا، أوغندا، أوزبكستان، وفيتنام، والجزائر4.

ثانيا: الثقل الجيو السياسي والجيو الاقتصادي لمجموعة البريكس

انعقدت القمة الأولى للمجموعة في روسيا سنة 2009 وكان موضوعها مواجهة آثار الأزمة المالية العالمية لسنة 2008 وما فجرته من تساؤلات حول مسؤولية النظام الاقتصادي والمالي العالمي الحالي في هذه الأزمة وارتباطه وارتهانه باقتصاد المنظومة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وعملتها الدولار، والتفكير في البحث عن بدائل موازية للنظام المالي العالمي.
الرئيس الروسي في هذه القمة فلاديمير بوتين سلط الضوء على القوة الاقتصادية المتزايدة لمجموعة البريكس، مؤكدًا أن الناتج المحلي الإجمالي المشترك لهذا التكتل يتجاوز الآن الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة السبع.
وخلال منتدى الأعمال الخاص بالمنظمة، الذي أقيم في إطار قمة البريكس في 17 و18 أكتوبر في قازان، ووفقًا للأرقام المقدمة، بلغ الناتج المحلي الإجمالي المجمّع لمجموعة البريكس الآن أكثر من 60 ألف مليار دولار، وهو رقم يتجاوز ذلك الخاص بمجموعة السبع G7. كما أشار الرئيس الروسي إلى أن مساهمة البريكس في النمو الاقتصادي العالمي خلال العقد الماضي تمثل أكثر من 40%، مما يبرز الدور الرئيسي لهذه المجموعة في الديناميكية الاقتصادية العالمية5.
وتمثل مجموعة البريكس 45 في المائة من سكان العالم، و38 في المائة من “الناتج المحلي الإجمالي” PIB تجاوزت بذلك مجموعة السبع G7، وتمثل تجارتها حوالي خُمس التجارة العالمية، وكذلك وجود دول تملك الطاقة والبترول كإيران والإمارات والسعودية وروسيا بما يمثل 40% من إنتاج النفط العالمي، وعلى المستوى العسكري تضم المجموعة كلا من الصين والهند وروسيا وهي قوى نووية، وسياسيا وديبلوماسيا تعتبر الصين وروسيا عضوين دائمين في مجلس الأمن بما يمثل ذلك من تأثير على قرارات مجلس الأمن على المستوى الدولي في قضايا السلم والحرب، وهناك التنوع الحضاري والديني (العالم الإسلامي، العالم المسيحي، والبوذي الهندوسي، و الكونفوشيوسي الصيني) والسياسي (أنظمة ديمقراطية وأخرى سلطوية) والتنوع الجغرافي (آسيا، إفريقيا، أمريكا اللاتينية ) بالإضافة إلى التفاوت الاقتصادي على مستوى درجة النمو.
وهذه العناصر المتنوعة تمنح دول البريكس قوة استراتيجية وموقع جيوسياسي وجيو اقتصادي على الصعيد العالمي والدولي، وكلما توسعت المجموعة تعزز دورها كقوة مضادة أو بديلة أو موازية للمحور الغربي، تساهم في صياغة نظام عالمي جديد على أسس جديدة ذات طابع تعددي تنافسي اقتصادي بالأساس بعد أن تراجعت الأيديولوجيا التي طبعت الاستقطاب الدولي أثناء الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي.
والملاحظ أن مجموعة البريكس تخترقها كذلك مجموعة من التناقضات والخلافات بين بعض مكوناتها، كالمشاكل الحدودية بين الصين والهند والعلاقة بينهما حذرة، والخلاف بين مصر وإثيوبيا ( الأعضاء الجدد) على خلفية سد النهضة، وفي البحر الأحمر، تعيق هجمات الحوثيين وصول السفن التجارية إلى قناة السويس، مما يزعزع استقرار مصر و الصين على المستوى الاقتصادي، والحوثيون يتم تمويلهم ودعمهم من قبل إيران، التي أصبحت الآن عضوًا في البريكس، كذلك الموقف من الحرب في أوكرانيا التي تشنها روسيا، إذ ليس هناك تأييد بالكامل لروسيا في هذه الحرب، كما لم تشارك دول البريكس في تطبيق العقوبات المفروضة على روسيا واكتفت بالمواقف الديبلوماسية المعارضة للحرب والدعوة إلى اعتماد الحوار والتفاوض كسبيل لوقفها.
وهناك تعدد في العضوية والعلاقات والتحالفات لبعض أعضاء المجموعة، تجعل من الصعب تصنيف مجموعة البريكس، فروسيا وإيران “معاديتان” أو خصمان للولايات المتحدة، بينما تستفيد مصر من المساعدات العسكرية الأمريكية وتستضيف الإمارات العربية المتحدة قواعد أمريكية، والهند جزء من تحالف QUAD، وهو شراكة أمنية مع أستراليا واليابان والولايات المتحدة، وهناك علاقات مصر والإمارات مع الصين، بينما تعملان مع الولايات المتحدة وإسرائيل على الأمن الإقليمي، والبرازيل المدافع الشرس لإزاحة الدولار تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة، التي تعد شريكتها التجاري الثاني (بعد الصين)، وتركيا العضو في الناتو وهو تحالف عسكري غربي تريد الانضمام إلى البريكس، بعد تعثر طلبها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي6 .

ثالثا : معركة الدولار ومواجهة العقوبات الاقتصادية والأزمات الداخلية

في سنة 2014 سيتم تأسيس “البنك الجديد للتنمية” أو “بنك مجموعة البريكس” كما يسمى إعلاميا ومقره في شنغهاي، هذا البنك يعتبر نواة لتأسيس نظام مالي ونقدي عالمي موازي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يتطلع إلى نوع من الاستقلالية عن المؤسسات والسياسات المالية العالمية التي تراها دول البريكس المسؤولة عن أزمة 2008 وتكرس الأحادية القطبية في المجال النقدي والمالي والاقتصادي، كما تمّ الاعتماد على العملات المحلية في المبادلات التجارية بين دول البريكس كبداية في أفق التحرر من هيمنة الدولار كعملة مرجعية في السوق الاقتصادي والمالي العالمي7 ومن شأن دخول الإمارات وقبول المملكة العربية السعودية أن يعزز القوة المالية لهذا البنك إلى جانب الصين الممول الرئيسي.
وفي هذا الإطار سيتم عرض تطبيق “BRICS Pay” لأول مرة في هذه القمة، كوسيلة للأداء والتحويلات المالية بديلا عن نظام السويفت SWIFTداخل المجموعة8. وتستخدم دول البريكس بشكل متزايد العملات الوطنية، حيث يتم الآن إجراء 65% من المعاملات بالعملات المحلية، بينما تمثل الدولار الأمريكي واليورو أقل من 30%، مما يشير إلى الجهود المبذولة لتقليل الاعتماد على الأنظمة المالية الغربية.
كما سيمكن انضمام مصر إلى البريكس من الحصول على قروض بفوائد منخفضة من بنك التنمية الجديد بدلاً من اقتراض الأموال بمعدلات فائدة مرتفعة من بنوك دولية أخرى، والصين والهند أصبحتا اهم مستوردي البترول الروسي وهو ما خفف العقوبات نسبيا على روسيا على خلفية غزوها لأوكرانيا، وبذلك أصبحت مجموعة البريكس صمام أمان والتفاف ضد العقوبات الغربية المفروضة على روسيا وإيران، فهناك مصالح متبادلة فرضتها تحديات مشتركة.

رابعا: مخرجات قمة البريكس، رسائل وإعلان ختامي

بعد انعقاد هذه القمة ونجاحها حسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، صدر بيان ختامي في 32 صفحة تضمن الخلاصات والتوجهات المستقبلية لهذه المجموعة اقتصاديا وماليا وسياسيا على الصعيد الدولي، تتعلق هذه التوصيات بقضايا كمسألة التعددية العالمية وإصلاح مجلس الأمن وحماية البيئة والدفاع عن حقوق الإنسان، وانتقاد العقوبات الدولية، والحل السلمي للنزاعات، وحماية المدنيين في الحروب، وانتقاد السياسة الإسرائيلية في الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا، ومسألة نزع السلاح وانتشاره ومكافحة التضليل الإعلامي.
كما وجهت هذه القمة رسائل من خلال انعقادها في روسيا برئاسة الرئيس فلاديمير بوتين، وحضور أكثر من ثلاثين دولة و رؤساء دول وازنة، على رأسهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو كوطيريس، وعدد طلبات الانضمام إلى البريكس مما يعكس التوسع والانتشار، وتشكيل قطب دول الجنوب مقابل قطب دول الشمال، وهي “الثنائية القطبية الجديدة” (شمال وجنوب بمفهومهما الجيوسياسي والجيو اقتصادي)، في مواجهة الهيمنة الغربية التي بدأت تفقد جاذبيتها بسبب سياساتها ومعاييرها المزدوجة في التعامل مع القضايا الدولية ( الحرب في أوكرانيا والحرب في غزة )، وهو ما تمت الإشارة إليه في خطابات الرؤساء أثناء انعقاد القمة، وخرجت روسيا “منتصرة” ديبلوماسيا في هذه القمة حسب المسؤولين الروس، لأنها بددت الصورة الإعلامية التي سوقها الغرب عن عزلة روسيا ورئيسها، فالقمة تعقد في عز الحرب الروسية الأوكرانية، والتي لا زالت مستمرة إلى الآن وقد مرت عليها أكثر من سنتان، وبدأت معالم نظام جديد وقطب جديد يتشكل.

خلاصة:

فهل ستنجح مجموعة البريكس في إعادة التوازن للنظام الدولي ووضع حد للهيمنة الغربية بقيادة أمريكا اقتصاديا (إزاحة الدولار كعملة مرجعية) ومؤسساتيا (بخلق مؤسسات مالية واقتصادية بديلة أو موازية ومنافسة) وسياسيا بتوسيع العضوية لخلق قطب مضاد واستقطاب دول الجنوب ذات الاقتصادات الصاعدة والثروات والمواد الأولية النفيسة والعنصر الديمغرافي الوازن، ويبقى نجاح مجموعة البريكس رهين بالتغلب على تناقضات المجموعة وتجانسها في الأهداف المعلنة وغير المعلنة، وقدرتها على تشكيل قطب مواز أو معارض أو بديل للقطب الغربي الأمريكي.

 

*باحث في علم السياسة والقانون الدستوري
[email protected]

المراجع:
1 hot hot girl : Les pays des BRICS attaquent le dollar et lancent “BRICS Pay” , 19 Oct 2024
https://www.binance.com/en-KZ/square/post/15091435986442
2 – Sommet des BRICS : le système financier est utilisé comme un outil géopolitique – Cyril Ramaphosa https://rb.gy/unusu
3 – Les BRICS : Vers un nouvel ordre mondial non occidental https://www.jforum.fr/les-brics-vers-un-nouvel-ordre-mondial-non-occidental.html
4- L’Algérie rejoint les Brics en tant que «membre partenaire» https://www.tsa-algerie.com/lalgerie-rejoint-les-brics-en-tant-que-membre-partenaire
5 – Poutine : les BRICS surpassent le G7 en puissance économique https://lanouvelletribune.info/2024/10/poutine-les-brics-surpassent-le-g7-en-puissance-economique
6 -Amelia Nierenberg : Quelles ambitions cultivent les nouvelles puissances ?
https://www.lapresse.ca/international/2024-10-23/sommet-des-pays-du-brics/quelles-ambitions-cultivent-les-nouvelles-puissances.php#:~:text=Qu’est%2Dce%20qui%20fait,unis%20h%C3%A9bergent%20des%20bases%20am%C3%A9ricaines
7 – David Whitehous :L’élargissement des Brics, un premier pas vers la dédollarisation de l’économie mondiale 31 août 2023 ? https://rb.gy/b24e7
8 – Luc Jose A : Les BRICS dévoile leur système de paiement révolutionnaire : Bientôt la fin du monopole du dollar ?dim 20 Oct 2024 , https://www.cointribune.com/les-brics-devoile-leur-systeme-de-paiement-revolutionnaire-bientot-la-fin-du-monopole-du-dollar

****

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.