اتهام حزب العدالة والتنمية بالإرهاب داخل لجنة المالية أو حين نصل لقاع البؤس

محمد عصام


 

ما وقع في لجنة المالية بصدد مناقشة مشروع قانون مالية 2025، من لمز في قناة حزب العدالة والتنمية واتهامه بالإرهاب، يؤشر على أن القاع الذي وصلت إليه السياسة في هذا البلد سحيق جدا، وأن الصعود منه يحتاج إلى جهد جهيد وعمل كبير قد يستغرق وقتا طويلا.
لقد كانت لجنة المالية على الدوام، وتحديدا في الموعد السنوي الراتب المتعلق بمناقشة مشاريع قوانين المالية، فضاء مهما للنقاش السياسي المسؤول، وكان ذلك النقاش يعكس المستوى الكبير الذي كانت عليه النخب السياسية من حيث تملك أدوات النقاش العلمية مع الكفاءة السياسية، والجميع يتذكر المداخلات القوية التي أبدعتها أجيال من النخب التي تعاقبت في المؤسسة التشريعية سواء في المعارضة أو الأغلبية، وكنا كصحفيين نستمتع بتلك العروض الجادة والمسؤولة والتي تعكس وجهات نظر تنطلق من زوايا مختلفة، لكنها دوما كانت مؤطرة بأهداف واضحة تحت عنوان كبير وجلي هو مصلحة الوطن.
اليوم وبعد أن قذفت رياح تسونامي 8 شتنبر بكائنات أقل ما يقال عنها إنها صفر في السياسية وفي الكفاءة معا، وبلغة المغاربة الباذخة “لا زين.. ولا مجي بكري”، تحولت لجنة المالية للأسف إلى فضاء لإنتاج البؤس والحضيض في السياسة.
فما معنى أن يتم الانزياح لمقاربة مؤشرات مشروع قانون المالية بلغة السياسة والنجاعة الاقتصادية والمردود التنموي، إلى مناقشة بلاغ حزب سياسي قيل في وقت ما إنه مات وشبع موتا، وأن طبخة 8 شتنبر قد طوت صفحة نهائيا وبلا رجعة؟
ما معنى أن يتهم حزب سياسي يتمتع بكامل حقوقه الدستورية كحزب معترف به، ومن داخل مؤسسة دستورية بالإرهاب، ألا يعلم من اقترف هذه الجريرة أنه يشكك في مصداقية مؤسساتنا وأجهزتنا، وأنه قبل أن يلمز حزب العدالة والتنمية، فإنه يتهم تلك المؤسسسات والأجهزة بالتقصير وعدم الكفاءة بسماحها لحزب “إرهابي” بالتواجد القانوني والشرعي بما في ذلك عضوية المؤسسة التشريعية؟ ثم أليس في ذلك أيضا لمز لأعلى سلطة في البلاد التي يجسدها صاحب الجلالة محمد السادس حفظه الله، الذي عين من هذا الحزب بالذات رئيس حكومة كل المغاربة، ثلاث مرات، الأولى سنة 2011، والثانية سنة 2016 والثالثة سنة 2017؟
ثم إذا كان القصد من ذلك الاتهام هو علاقة حزب العدالة والتنمية بحركة حماس كحركة تحرر وطني، فإننا لا نحتاج أن نذكر “كائنات زمن الصفر في السياسة”، أن قيادة حماس وعلى رأسها القائد الشهيد إسماعيل هنية، زاروا المغرب برعاية ملكية مولوية في ينويو 2021 وبإذن من صاحب الجلالة، في ظرف دقيق ومعقد، أي بعد ستة أشهر فقط من الاتفاق الثلاثي، فهل يستطيع هؤلاء “النكرات” المزايدة في هذا الموضوع؟
ولا نحتاج أن نذكر أيضا، بأن هذا الأسلوب الشعبوي، وهذا الإسفاف في النقاش، سبق إليه من كان عاقبته الآن النسيان التام، ووري ذكره الثرى وإلى الأبد، وفي ذلك موعظة لمن يريد أن يتعظ، ففي جلسة حصيلة نصف ولاية رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله ابن كيران، يوم 21 يوليوز 2014، طالب الأمين العام السابق لحزب الاستقلال حميد شباط في عز ” التبوريد الشعبوي”، من رئيس الحكومة “توضيح علاقته بداعش والنصرة والموساد الإسرائيلي”.. ودفعة واحدة !!!!.
فما هو مصير شباط بعد هلوسته تلك؟ أليس في ذلك تصديقا لقول عز وجل ” أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.
لقد حول حزب التجمع الوطني للأحرار ومعه حلفاؤه، العمل البرلماني إلى دراما تثير الشفقة والغثيان، فلأول مرة في تاريخ المغرب يتحول البرلمانيون إلى لسان حكومي صرف، ففي كل انتقاد للحكومة ولأدائها يتطوع برلمانيو التحالف للتصدي للانتقاد، متناسين أن دورهم هو الرقابة على الحكومة وليس الدفاع عنها، وأن المشرع تكفل بضمان حق الحكومة في الرد وفي الدفاع عن نفسها طبقا للدستور وأيضا للنظام الداخلي للمؤسسة التشريعية.
أما حزب العدالة والتنمية، فلا نحتاج أن نذكر من يحتاج إلى ذلك، أنه حزب مغربي أصيل، ولن تستطيع كل أشكال المزايدة و”تشكامت” النيل منه، لأن المغاربة يعرفونه كما يعرفون أنفسهم، وهو حزب وطني واضح في اختياراته وحر في مواقفه وحريص على استقلاليته حرصه على مصلحة البلاد والعباد، وبالتالي كل المحاولات لشيطنته ستؤول إلى الخسران لا محالة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.