منذ الاستحقاقات المهنية والجماعية والتشريعية، التي شهدتها المملكة سنة 2021، والتي تمخض عنها ما سمي ب (التحالف الثلاثي)، الذي اعتمد على القوة العددية / منطق الكم عوض اعتماده على قيمة الكيف / الكفاءة، الخبرة، والنجاعة، بدا واضحا لكل المراقبين، فضلا عن المهنيين المعنيين بالأمر، أن هذا المنطق سيؤول بدون ريب إلى نفق ليس مسدودا فقط، بل مظلما تماما.
إن منطق (التحالف الثلاثي)، الذي استند على أفق خاطىء يدفع نحو جعل الاختيارات تلائم كل قطاع، ولم يضع في حسبانه أهمية خصوصيات كل قطاع، وما ينطبق على هذا القطاع / المجال قد لا ينطبق نهائيا على ذاك القطاع.
عدم احتساب هذا المعطى، رغم أهميته الكبرى، أدى إلى اغتيال خصوصية كل مجال، وآل بنا نحو كثير من العشوائية والفشل وضرب المكتسبات.
ومما يتوجب ذكره وترسيخه أن الغرف المهنية ذات خصوصية فريدة يدركها المتمرسون، تكمن في أن قوانينها تتسم بكثير من الليونة والسهولة، وهذا، تحديدا، ما يجعل نتائجها تبدو هامة، حيث أن ما بين 54 و 60 من الفوز بالمقاعد تكون لصالح اللامنتمين، وهم من يتصدرون نتائج الاستحقاقات، وبالتالي إن تنزيل (التحالف الثلاثي) لا يؤدي إلى بروز اختلال كبير وواضح في التركيبة فقط، بل ينتج أيضا كارثة تحكم أقلية على حساب أغلبية، إلى جانب الطامة الكبرى المتعلقة بكون (التحالف الثلاثي) يوزع المناصب، أثناء التفاوض، بالخضوع لمنطق الترضيات، وأسلوب جبر الخواطر، على حساب إقصاء ذوي الكفاءة والخبرة، وكذا على حساب توازن التمثيلية ومستقبل القطاع.
منذ تشكيل مكتب غرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة طنجة تطوان الحسيمة، في غشت 2021، وبحس سنوات التجربة والتمرس التي قضيناها في الغرف المهنية، سجلنا، منذ الخطوة الأولى، أن هذه التركيبة السلبية لن يكتب لها النجاح أبدا، وأن مآلها النهائي هو الفشل الذريع، بحكم أنها ولدت بعملية قيصرية.
وإلى حدود الدورة الأخيرة (دورة 31 أكتوبر) يمكننا القول والتأكيد أن السنوات الثلاث (2021 / 2024) شكلت السنوات العجاف من حيث العطاء، ومن حيث الرؤية، ومن حيث شكل التسيير وأفق التدبير، ومن حيث عقلانية الرؤية المستقبلية.
وكنا – إلى حد قريب – نحث الرئيس ومكتبه على الحفاظ فقط على المكتسبات، بعد أن فقدنا الأمل تماما في الإضافة النوعية لما تم تحقيقه، والبناء عليه لتحقيق مكتسبات أخرى وفق منطق التراكم الطبيعي.. غير أن هذا المكتب لم يتمكن حتى من الحفاظ على مكتسبات قائمة، نتيجة غياب كلي لأية رؤية متوازنة، ولأي تدبير عقلاني، في ظل سيادة الانغلاق والاستفراد وغياب ذكاء الإضافة.
وهذا أدى – للأسف الشديد – إلى تراجع المكانة التي كانت تحظى بها الغرفة جهويا ووطنيا وعالميا، مما حولها من غرفة تتصدر المشهد إلى غرفة تقبع في الهامش، نتيجة تقزيمها واغتيال مكتسباتها.
الآن، وبعد مرور السنوات الثلاث، سنوات الرسوب الفاضح، والعجز الكارثي، ها هي الأيام تؤكد بجلاء كبير صدقية التنبؤات التي جهرنا بها، وصدق رؤيتنا للأمور، وواقعية منظورنا، حيث كنا وما زلنا نقدم تصورنا وننقد السلبيات بعيدا عن عن شخصنة الأمور أو المواقف، وانطلاقا من رؤية موضوعية، وغيرة شديدة على قطاعنا.
لقد طالبنا مرارا، في إطار تكريس قيم الشفافية وأخلاقيات الحكامة والنجاعة، بممارسة وقفة مع الذات، ونقد أسس الحصيلة، من أجل تجويد الخدمات، غير أن الرئيس كان يرفض رفضا قاطعا هذه المطالب، بل ويستهين بها.. وبعد ضغط كبير، وارتفاع أصوات المحتجين، خضع للواقع، ثم جاءنا بنقطة الحصيلة في دورة أكتوبر الأخيرة.
ويا ليتنا لم نطالب بأية حصيلة، لأن ما تم لا يمت للحصيلة بأية صلة. إن الرئيس عوض أن يقدم حصيلة بمفهومها العلمي والمهني، قدم مصفوفة من تجميع أنشطة عادية وروتينية سماها هو حصيلة، بينما سميناها نحن “حصلة”.
المفروض أن الحصيلة تحتوي على محددات تتيح أفقا لنقاشها، كما أنها تتضمن صلاحيات المؤسسة، والمخطط الاستراتيجي الذي يحدد الأهداف والرؤى والتصورات المستقبلية، والبرامج السنوية، إلى جانب الميزانيات المرصودة لهذه البرامج والمخططات، ثم الموارد البشرية التي ستنفذ والهيئة المنتخبة التي سيتم استشارتها في المسألة والمصادقة عليها، وكذلك تحديد الفئة المستهدفة من كل هذه البرامج، لأنها هي الأساس، كما يفترض في كل حصيلة مؤسساتية محترمة.
إننا لما نتصفح ما سمي بهتانا بالحصيلة، وهي في الحقيقة “حصلة” لا تمثل المهنيين ولا يجدون أنفسهم فيها، نلاحظ ما يلي:
– لما نرى تركيبة الرئيس والفريق المساعد الذي بني عليه (التحاف الثلاثي) نكتشف أنه منذ الأسبوع الأول برزت خلافات حادة بين جسم هذا الفريق والرئاسة، ولم يقتصر أمر الخلاف على الشأن الداخلي، بل خرج إلى العلن وترتبت عنه عرائض ومنشورات وبيانات، وانتقلت هذه الأزمة العويصة من الرئيس والمكتب إلى عموم منتخبي الغرفة في أقاليم الجهة، وذلك لأسباب موضوعية كثيرة تم التعبير عنها بوضوح، ومنها انفراد الرئيس بالتسيير، والاكتفاء بالتدبير الإداري اليومي، والإجهاز الكامل على الدور التمثيلي للغرفة.
– ضمن أسباب التوتر بين الرئيس والمكتب هو أن الرئيس، وبعد مرور نصف الولاية الانتدابية، ما زال مصرا على عدم تفويض أي أحد من أعضاء المكتب، وهذ الأمر السلبي والوخيم ساهم في إذكاء شرارة التوتر، وأدى إلى استقواء الرئيس بالإدارة على حساب منتخبي الغرفة.
– لما نتصفح الملفوفة المسماة حصيلة، نجد أنها عارية تماما من كل مقومات الحصيلة، مثال ذلك أن الرئيس تقيده الحصيلة بإبراز برنامجه الانتخابي، والتصريح الرئاسي بعد فوزه بالرئاسة، والمخطط الاستراتيجي الموقع مع الحكومة، والبرامج السنوية، والصلاحيات المحددة في القانون الأساسي للغرف وفي مقدمتها الدور التمثيلي، والاشتغال عبر الميزانيات… نقول لما نقرأ ما سمي الحصيلة، ظلما أو جهلا، نجد أنها مجرد تجميع بسيط لأنشطة وملتقيات بسيطة للغاية يمكن أن تقوم بها أي جمعية عادية وليس مؤسسة دستورية عندها 97 منتخبا وأكثر من 70 إطارا بين مهندس ودكتور، ولها ميزانية تتجاوز الملايير، ومع ذلك لما نلقي نظرة بسيطة على الحصيلة، ونضع مقارنة بين الوعود الانتخابية وبين المنجزات المحققة، نجد مايلي:
– على مستوى الآمر بالصرف، نجد أنه، على مدى ثلاث ميزانيات، لم يستطع تجاوز سقف 30 في المائة من صرف الميزانيات، ونحن نعلم أن معيار نجاح أي آمر بالصرف هو نسبة تنفيذ الميزانية، ينضاف إلى ذلك أن البرامج السنوية المصادق عليها تبقى حبرا على ورق في رفوف وأدراج مكاتب الإدارة، ويلتجىء الرئيس والمدير الجهوي إلى التسلق على أنشطة الآخرين تحت ذريعة الشراكة، مما يجعل هذه الأنشطة بعيدة تماما عن هموم وقضايا المهنيين وإكراهات الأقالم.
– في إطار الجهوية، كنا نتمنى أن يأتي الرئيس بحصيلة مشفوعة بالإنجازات على مستوى أقاليم الجهة في احترام تام وتوازن خلاق مع حاجيات وخصوصيات مجالية لكل إقليم ، وهذا لم يتحقق، واشتغل الرئيس بمنطق المدينة التي ينتمي إليها، مما يؤكد العبث والفشل وغياب الأفق.
– كنا نتمنى أن تأتي الحصيلة ونحن نمثل القطاعات الثلاث (التجارة الصناعة الخدمات) بدراسات وتصورات وأبحاث قطاعية مساهمة منها في حل الإشكاليات القطاعية المطروحة، وتفعيل الدور الترافعي للمؤسسة، هذا الدور الهام المغيب، أو المهمش، طوال هذه الفترة الانتدابية.
– غاب عن المصفوفة (الحصيلة) الملحقات التابعة للغرفة، ولم يتسنى للمهنيين والمنتخبين أن يعرفوا ماذا أدت هذه الملحقات خلال نصف الولاية.
– حصيلة المدير الجهوي التي تعكس انخراط الإدارة في تنفيذ البرامج والمشاريع المسطرة، والسهر على الشراكات القائمة، مغيب تماما عن الحصيلة.
– السلبيات المسجلة على صعيد الرئاسة، والتي جعلت هذه الحصيلة عقيمة جدا، وآداء جد محتشم يقترب من البياض التام، بسبب الاختيارات التي سبق ذكرها، ثم آفة الانفرادية، ثم التغول الإداري السلبي على المنتخب، والتضييق السافر على المستشارين والمستشارات المعارضين لتوجه الرئاسة، وبالمقابل تمييز البعض على حساب الكل بمزايا إغرائية مثل تمتيعهم بالسفريات المتعددة، والإكراميات في دعم التنقل والتمثيلية، مع إقصاء أغلب الأعضاء من المشاركة في الأنشطة سواء التي تنظمها الغرفة، أو التي تشارك فيها.
– طوال فترة انتدابه منع الرئيس منعا كليا اللجان من آداء وظائفها الاستشارية والاقتراحية، باعتبار أن اللجان هي القلب النابض لأي مؤسسة، وهذا ما عجل بدخول المؤسسة برمتها إلى العناية المركزة لتوقف نبض قلبها.
– على مستوى الدبلوماسية الاقتصادية والموازية، التي تعتبر إحدى المحركات الكبرى الأساسية لجلب الاستثمارات، نجد أن الرئيس حولها إلى مجرد وكالات للسفر لترضية المقربين وإقصاء الغاضبين، وهي وسيلة إغراء أكثر من كونها وسيلة آداء من أجل تطوير المؤسسة.
إن حصيلة عمل الغرفة خلال ثلاث سنوات من المدة الانتدابية (2021 / 2027)، لم تشكل أبدا وثيقة حقيقية يمكن تسميتها حصيلة.
إن ما بأيدينا مجرد وثيقة شكلانية لا قيمة لها على صعيد الوعي المهني، حد أن المهنيين لن يعثروا فيها على رهاناتهم، بل حتى على وجودهم، مما يؤكد لنا أن مؤسسة بحجم غرفتنا وموضعها كان يفترض أن تكون رائدة ونموذجا، لا أن تكون مجرد غرفة هزيلة يسيرها رئيس بدون أفق، وبدون وعي في التدبير، وبتحكم قد يسير بنا إلى الهاوية.
[ After Header ] [ Desktop ]
[ After Header ] [ Desktop ]
رابط المشاركة :
شاهد أيضا