حلّ رئيس الحكومة ضيفا على مجلس النواب يوم الاثنين 04 نونبر 2024، في إطار الجلسة التي أرادها الدستور شهرية، وعرفها المغاربة مع رئيسي الحكومة السابقين شهرية كذلك، غير أن رئيس الحكومة الحالي يصر على جعلها شهرينية مع الأسف.
وكعادته يستغل رئيس الحكومة هذا الموعد الدستوري الهام، لتمرير الكثير من المغالطات التي لا نريد أن نقول بأنها تصل حد الكذب الصراح، ولكن سنتعامل معها على أنها تدليس مع سبق الإصرار والترصد.
وقبل أن أسرد مكامن التدليس في جواب رئيس الحكومة، لابد أن أتوقف على تهجمه المتواصل على المعارضة، بطريقة توحي بأن الرجل لا يعرف قيمة البرلمان ولا مكانة المعارضة.
ولذلك من المفيد لرئيس الحكومة أن يعود للدستور ويستقرأ التاريخ السياسي للبلاد، لكي يعرف ماذا يعني أن يكون رئيس حكومة، والصفات التي ينبغي أن يتحلى بها، إذ لا مسؤولية سياسية وخاصة بحجم رئاسة الحكومة دون مصداقية ودون صدق ودون نزاهة ودون احترام للبرلمان ولمكون المعارضة على وجه الخصوص، لأنه في النهاية ووفق الدستور، يبقى البرلمان هو الممثل للشعب، وليست الحكومة ولا رئيسها.
أما عن مكامن التدليس في جواب رئيس الحكومة، فيمكن أن ألخص ذلك قبل التفصيل، في إشارة جامعة، تتعلق بمحاولة السطو على الأرقام التي سجلها الاقتصاد الوطني خلال الولاية الحكومية السابقة، لكي يغطي على عجز وفشل حكومته في تحقيق الأرقام التي جاء بها في البرنامج الحكومي وقد تجاوزنا ثلاث سنوات من الفترة الحكومية، ثم اللعب بالسنوات المرجعية، بالاحالة على سنة 2019 وما قبلها في بعض الأرقام التي يعتقد بأنها تسعفه في التدليس، وتفادي الإشارة إلى سنة جائحة كوفيد19 الاستثنائية.
تحدث رئيس الحكومة عن تحقيق حكومته متوسط معدل نمو يقارب 4,4 في المائة، خلال ثلاث سنوات، وطبعا الحديث هنا عن سنة 2023 وسنة 2022 وسنة 2021، وبالعودة للأرقام فإن الحكومة الحالية لا يُنسب لها إلا نسبة نمو 1.5 في المائة عن سنة 2022، ونسبة نمو 3.4 في المائة عن سنة 2023، أما سنة 2021 فقد بلغ فيها النمو 8.21 في المائة، وهي على كل حال سنة مالية من الولاية السابقة، أي يعود الفضل فيها لحكومة العدالة والتنمية التي ترأسها الدكتور سعد الدين العثماني، ولا معنى لإلحاق هذه النسبة المهمة في حصيلة الحكومة الحالية.
والحال أن الحكومة الحالية بعيدة جدا عن تحقيق نسبة النمو التي حددها برنامجها في 4 في المائة، بالنظر للنسبة المسجلة خلال سنة 2022 و2023 والمتوقعة خلال سنة 2024، وإلا فسيكون أمامه تحدي بلوغ نسبة 8 في المائة على الأقل خلال سنة 2026 لكي تحقق معدل 4 في المائة.
ولحق تدليس رئيس الحكومة الاستثمارات الأجنبية كذلك، حين اعتبر بأن ارتفاعها برسم الأشهر التسعة الأولى من سنة 2024، بلغ 50.7 في المائة، مقارنة مع سنة 2023، والحقيقة ان سنة 2023 نفسها سجلت تراجعا في الاستثمارات الأجنبية في المغرب، وبالتالي لا تستقيم مقارنة ارتفاع محدود مع انخفاض سابق، ولا يظهر أن رئيس الحكومة، اطلع على تقارير الاستثمار العالمي الصادر عن الأمم المتحدة، سواء لسنة 2023 أو 2024، وإلا كان سيكتشف بأن المغرب تراجع في جاذبية الاستثمارات الأجنبية، وخرج من ضمن الدول العشرة الأولى في افريقيا استقطابا للاستثمارات، وبمعدل لا يصل 1.7 مليار دولار (أي حوالي 17 مليار درهم)، وطبعا على رئيس الحكومة أن يستنتج سبب تراجع الاستثمارات الأجنبية في بلادنا، ولا شك أن تنازع المصالح والفساد أهم عامل مؤثر بشكل سلبي على الاستثمارات.
وبخصوص المديونية، اعتبر رئيس الحكومة بأنها تراجعت إلى ما دون 70 في المائة، منذ بداية الولاية الحكومية، لكن بالعودة إلى أرقام بنك المغرب، فإن المديونية سجلت سنة 2021، 69.4 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ثم سجلت نسبة 71.5 في المائة سنة 2022 ثم 69.5 في المائة سنة 2023، وبالتالي فإن الحديث عن التراجع إلى ما دون 70 في المائة، السبب فيه هي النسبة المسجلة سنة 2021، وهي سنة لا علاقة لها بحكومة “8 شتنبر”.. أليس كذلك؟
مع العلم أن المديونية سجلت ما مجموعة 168 مليار درهم منذ تنصيب الحكومة الحالية إلى غاية يونيو 2024، بنسبة زيادة لم يعرفها المغرب منذ سنوات خلت.
طبعا التدليس طال نسبة العجز كذلك، واعتبر رئيس الحكومة بأنه حقق انجازا تاريخيا، يتعلق بتراجع العجز، دون مراعاة السنة المرجعية وهو يقارن ما حققته حكومته مع ما سجلته الحكومة السابقة، التي أكد تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول تنفيذ ميزانية 2019، أن العجز بلغ في عهدها حوالي 3.6 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ولذلك اعتبر رئيس الحكومة أن تحقيق 3.4 في المائة هو انجاز تاريخي، لأن المقارنة التي قام بها انصبت على سنة 2020 و2021، وهما كما يعلم الجميع سنتان استثنائيتان بالنظر لتداعيات جائحة كوفيد 19.
المعطيات المتعلقة بواردات المغرب من المواد الطاقية، هي الأخرى شملها التدليس، من خلال إعلان رئيس الحكومة أن هذه الواردات عرفت تراجعا، مفسرا ذلك بانخفاض الطلب، والحقيقة هي ان الأسعار هي التي انخفضت، في السوق الدولية، ما يعني أن الانخفاض في واردات المواد الطاقية راجع الى انخفاض اثمنة هذه المواد في الأسواق الدولية كما أكد ذلك مكتب الصرف في نشرته حول مؤشرات المبادلات الخارجية بنهاية شهر شتنبر 2024، وللتذكير فإن أسعار البترول لم تصل لعتبة 80 دولار في الأسواق الدولية طيلة الأشهر التسعة الأولى من سنة 2024، شأنه شأن الغاز الذي سجل انخفاضا بلغ 40 في المائة خلال هذه الفترة، وسجل معدل 78 دولار.
وعموما هناك اتجاها غريبا نحو الاستيراد، شمل كل المواد تقريبا، بما فيها المواد الفلاحية التي كان يُفترض أن نحقق فيها الاكتفاء الذاتي بحسب البروباغندا التي صاحبت مخطط المغرب الاخضر، وصحيح أن صادراتنا من المواد الفلاحية بلغت 83.2 مليار درهم سنة 2023، لكن هذا لا يجب ان يخفي عنا أن الواردات من المواد الفلاحية والغذائية كالقمح واللحوم والسكر ومواد أخرى، بلغت سنة 2023، ما مجموعه 89.610 مليار درهم مقابل 86.734 سنة 2022، ولكم ان تكتشفوا الفرق!
وربما أكون قد أطلت في سرد هذه المعطيات، لكن من المفيد الاطلاع عليها، لأن رئيس الحكومة يستغل كثرة الأرقام في التغطية على ما يقع حقيقة في الكثير من القطاعات الإنتاجية أساسا، ويغطي كذلك على اشتغاله في “منطقة رمادية” لا قانون يؤطرها، كما هو عليه الحال بالنسبة لـ”عرض المغرب”، الذي تجري كل الإجراءات في إطاره بواسطة منشور حكومي فقط!!
بقيت لي ملاحظة أخيرة، حول التعديل الحكومي الذي شمل 14 حقيبة وزارية، منها 7 خاصة بكتاب الدولة، لكننا بالعودة إلى مراسيم اختصاصات الوزارات التي سيشتغل ضمنها كتاب الدولة الجدد، نجد أن كاتبي دولة اثنين فقط من يمكنهم ممارسة اختصاصاتهما بعد التفويض بطبيعة الحال، وهذا يؤكد بأن التعديل الحكومي كان للترضيات فقط، وألا رؤية ولا تصور واضح يحكمه… يا للعجب!
[ After Header ] [ Desktop ]
[ After Header ] [ Desktop ]
رابط المشاركة :
شاهد أيضا