حسن حمورو
يطرح قرار الإبقاء على عبد اللطيف وهبي وزيرا للعدل في حكومة أخنوش المعدلة، الكثير من الأسئلة المشروعة حول خلفيات هذا القرار، والدوافع الحقيقية التي حكمته.
لكن دعونا في البداية نتفق بأن المقتضيات الدستورية المتعلقة بتشكيل الحكومة، ليست مقتضيات عبثية، أو لها مدة صلاحية محدودة، بل إنها مقتضيات سياسية على قدر كبير من الأهمية في ترسيم العلاقة داخل مستوى من مستويات المشاركة في السلطة، وفي تدبير شؤون المواطنين، ولذلك كانت المقتضيات المتعلقة برئيس الحكومة، من أهم مستجدات دستور 2011، من حيث عدد الفصول، ومن حيث دسترة العديد من الاختصاصات.
والمقصود هنا أن الدستور عندما منح سلطة اقتراح الوزراء لرئيس الحكومة المعين بناء على نتائج الانتخابات، منحها له ليتحمل المسؤولية السياسية أمام المواطنين الذين صوتوا لحزبه ولأغلبيته، وأمام الملك كذلك بصفته رئيس الدولة وسلطة تعيين الوزراء.
وهنا لابد من إشارة تتعلق بما يجري بين لحظة اقتراح الوزراء لحظة تعيينهم، ودون الدخول في نقاشات قد لا تكون مجرد ترف، حول من له سلطة الحسم في تسمية الوزراء، فإنه لا يُتصور أن يرفض الملك اقتراحات رئيس الحكومة، وذلك اعلاءً للثقة التي ينبغي أن تسود بين مؤسسات الدولة، وبين الملك ورئيس حكومته، بغض النظر عن ما يمكن تسجيله من ملاحظات على الأشخاص المقترحين لعضوية الحكومة.
وبالتالي فإن الإبقاء على عبد اللطيف وهبي وزيرا للعدل في حكومة عزيز أخنوش في صيغتها الجديدة بعد إعادة هيكلتها، بتاريخ 23 أكتوبر 2024، هو في النهاية قرار لرئيس الحكومة، وهو من يتحمل مسؤوليته السياسية والدستورية.
وتزداد هذه المسؤولية وتتأكد، بمعطى إسقاط وهبي من الأمانة العامة لحزب الاصالة والمعاصرة، خلال مؤتمر فبراير 2024، بمعنى أنه إن كان متفهما أن يقترحه رئيس الحكومة وزيرا في الحكومة بعد انتخابات 8 شتنبر 2021، باعتباره أمينا عاما لحزبه الذي اختار أن يتقاسم معه مقاعد الحكومة، فإن الإبقاء عليه في الحكومة الجديدة، وهو متخلى عنه في حزبه، يفيد بأن عزيز أخنوش اتخذ قرار الإبقاء عليه بحرية وبـ”اقتناع”، وليس بضغط صفته السابقة على رأس حزب الاصالة والمعاصرة.
وهناك عدة فرضيات يمكن أن تفسر الإصرار الظاهر لرئيس الحكومة عزيز أخنوش على الإبقاء على وهبي وزيرا للعدل في الحكومة، على الرغم من كل الأزمات التي تسبب فيها بتصريحاته الرعناء، وبأسلوبه المستفز، الذي تجاوز السجال بين الفرقاء السياسيين، أو السجال مع الفاعلين في القطاع الذي يدبره، إلى الاستهزاء بحديث نبوي مس من خلاله أحد الثوابت الوطنية والدستورية وهو الاسلام، ومحاولته الاستدراك على خطاب للملك أمير المؤمنين، بالإضافة إلى ضخ نقاشات مسمومة حول الزنا والحرية الجنسية في الفنادق، تحت شعارات تدليسية، وداخل “أحصنة طروادة” المسماة حريات فرية وعلاقات رضائية وغياب القانون المنظم.
أولى هذه الفرضيات تتعلق بكون عزيز أخنوش بات مقتنعا بتصريحات وزير العدل عبد اللطيف وهبي التي أثارت الجدل وأثارت الاشمئزاز والاستفزاز، وبالتالي وفر له الغطاء السياسي لمواصلة تصريحاته التي ربما ستتحول إلى قرارات أو قوانين، وهذا يفيد بأن انتقاد ورفض ما يذهب إليه وهبي، يجب أن ينتقل إلى رئيس الحكومة، وجعله هدفا لكل الاحتجاجات التي كان وهبي في مرماها، ويُفهم من هذه الفرضية أن الأمر يتعلق بسياسة حكومية ينسقها رئيس الحكومة ويتحمل مسؤوليتها.
الفرضية الثانية، تقول بأن رئيس الحكومة أبقى على وهبي وزيرا للعدل، لتصفية حساب قديم معه، من خلال تركه في ساحة القصف السياسي الذي ظل يتعرض له منذ حادثة “التقاشر” إلى نقاشات قانون المسطرة المدنية، وبالتالي إنهاكه سياسيا، في ظل تخلي حزب الاصالة والمعاصرة عنه، الذي لم يصدر أي بلاغ للدفاع عن وهبي في أي من المعارك التي يعتبر نفسه يخوضها ضد الفاعلين في قطاع العدل، أو ضد “الاسلاميين” الذين يدعي مواجهتهم من بوابة الحريات الفردية.
ربما يسعى رئيس الحكومة للانتقام من وهبي الذي قال فيه خلال الفترة التي سبقت انتخابات 8 شتنبر 2021، “ما لم يقل مالك في الخمر”، ويتذكر الرأي العام أن تصريحات وهبي ضد أخنوش في تلك الفترة، أضرت كثيرا بسمعة أخنوش، جعلته يرد عليه في إحدى جلسات البرلمان في أبريل 2021، وهو وزير للفلاحة بالقول “كاين اللي كيزرع العمل وكاين اللي كيزرع الهضرة”، أي أن هناك من يزرع العمل وهناك من يزرع الكلام.
فهل تحول عمل أخنوش إلى مجرد كلام، أم أن كلام وهبي تحول إلى عمل؟
الحقيقة أن ما يصدر عن الاثنين مجرد كلام ليس تحته عمل!!