عبد الهادي بوصبيع
تدارس أعضاء المكتب الإقليمي للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، في لقاء تواصلي، عقده مساء يوم الأحد 17 نونبر 2024 مع مناضليه بمقره بمدينة طانطان، مضامين مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب وذلك في ضوء التوصيات الصادرة عن بعض المؤسسات الاستشارية الوطنية في شأن أحكام هذا القانون التنظيمي، الذي تحاول الحكومة تمريره رغم عيوبه المتعددة التي جعلت منه نصا تشريعيا نكوصيا قياسا بالتجربة المغربية والتراكم المجتمعي في مجال الحريات العامة.
شكل اللقاء فرصة لتقديم قراءات تحليلية للقانون التنظيمي 97.15 ، استعرض خلالها المتدخلون أهم القيود التي فرضتها المساطر المنظمة للإضراب في القطاعين الخاص والعام، منتقدين انحياز الحكومة لأرباب العمل وتفصيل أحكام القانون على المقاس الذي يخدم مصالحهم، حيث تضمن مشروع القانون ثغرات تسهل التفاف المشغلين على مطالب الأجراء ونسف أية محاولة لرفع الظلم عن المضربين والمماطلة في التجاوب مع مطالبهم، كذلك من خلال استعمال لغة فضفاضة (إضراب لأهداف سياسية …) وقابلة للتأويل (الحد الأدنى من الخدمات الأساسية …)، وفرض جزاءات جد مخففة غير رادعة لأرباب العمل عن انتهاك أحكام هذا القانون ولا تمنعهم من التنصل من التزاماتهم تجاه العمال والعبث بحقوقهم.
تعددت أسباب رفض هذا القانون من وجهة نظر الحاضرين، أبرزها تعقيد مساطر ممارسة الإضراب في القطاع العام، وبشكل فادح ومبالغ فيه بالقطاع الخاص، حيث فرض مشروع القانون قيودا تعجيزية وألزم العمال المتضررين والهيئات النقابية بسلوك مساطر بآجال زمنية طويلة (تتجاوز 60 يوما في أدنى مدة)، غايتها إنهاك الشغيلة وإفراغ جهدها النضالي في الإجراءات البيروقراطية دون الظفر بحقوقها أو تحسين أوضاعها، ولم تقف مساوئ القانون عند هذا الحد، بل سولت الحكومة لنفسها الإجهاز على حق يكفله الدستور، إذ لم تمنعها دسترة الحق في الإضراب من معاقبة ممارسيه بحرمانهم من أجرتهم وتعريضهم لعقوبات تأديبية وأخرى جنائية سالبة للحرية، لا لشيء إلاّ لأنهم استعانوا بأداة قانونية” الإضراب” للدفاع عن مصالحهم المشروعة، وهذا ما يجعل هذا القانون في تعارض مع الدستور، لكنه يعكس رداءة الزمن السياسي الذي نعيشه مع حكومة جد منحازة لمصالح الباطرونا.
قد يظهر للوهلة الأولى أن مشروع القانون يعزز مكانة العمل النقابي المنظم، لكن هذا التفاؤل سرعان ما يتبدد ، حيث يصبح وجود تنظيم نقابي مهيكل مثل عدمه داخل المقاولة والحصول على التمثيلية النقابية بدون فائدة ولا يشكل فرقا، ذلك أن مسطرة تنظيم الإضراب في القطاع الخاص، سحبت صلاحية اتخاد قرار تنظيم الإضراب من المنظمات النقابية داخل المقاولة، وجعلت القرار محصورا في يد الجموع العامة للأجراء التي يلزم عقدها في شروط شبه مستحيل تحققها في السياق المغربي، إضافة إلى أن ذات المسطرة تتيح للمشغل إمكانية نسف أية مبادرة لتنفيذ إضراب مرتقب من خلال فرض قيود متعمدة، تُلزم الجهة الداعية للإضراب بالتوافق مع المشغل بما يضمن استمرارية نشاط المقاولة لتوفير الحد الأدنى من خدماتها الأساسية خلال فترة سريان الإضراب، وذات التوجه القائم على استهداف العمل النقابي وتقزيمه، يُسجل في القطاع العام، حيث يَمنع مشروع القانون أية إمكانية لتنظيم إضراب ذي طابع جهوي أو إقليمي، فالهيئات المجالية للنقابات – حسب منطوق هذا القانون – غير مخول لها صلاحية اتخاذ قرار تنظيم إضراب في مجال نفوذها الترابي.
لم يفت المتدخلين التأكيد على وجاهة عدد من الملاحظات التي أدلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في رأيه الاستشاري حول مشروع القانون المنظم للإضراب، حيث اعتبر ما جاءت به أحكام القانون التنظيمي للإضراب، شروطا تعجيزية غير واقعية، تعرقل ممارسة الإضراب من طرف الأجراء، وفي ذات السياق، ثمن المشاركون التوصيات التي دعا المجلس فيها الحكومة إلى مراجعة المشروع وإعادة صياغة مضامينه بما يُحصن ممارسة الإضراب من طرف الأجراء دفاعا عن حقوقهم ومصالحهم الاجتماعية والاقتصادية.
وتفاعلا مع ذلك عبَّر مناضلو الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب في طانطان عن رفضهم الشديد لأحكام القانون التنظيمي15.97 لكونها تجاوزت تنظيم الإضراب إلى تجريمه، بحيث جعلت كل أجير مشارك في الإضراب مهدد بالمتابعة القضائية واحتمالية التعرض للمحاكمة ودخول السجن بمقتضى أحكام باب العقوبات، وفي ذات الوقت طالب الحضور بضرورة استجابة الحكومة لدعوات المؤسسات الدستورية وقبلها المنظمات النقابية بوقف مسطرة التداول في مشروع القانون التنظيمي وفتح مسار جدي من الحوار البناء وتفعيل المقاربة التشاركية مع كافة القوى الوطنية لبلورة صيغة متوازنة تحمي حق الإضراب وتعزز من ضمانات ممارسته.
واختتم اللقاء، بالتأكيد على أهمية تكثيف مثل هذه اللقاءات، في السياق الوطني الحالي، لتوعية عموم الشغيلة بالمخاطر التي تحذق بها بسبب المضامين التعسفية الواردة في مشروع القانون التنظيمي للإضراب97.15، ورفع مستوى الجاهزية والتعبئة لديها لأجل التحرك والضغط على الحكومة لإجراء مراجعة جذرية وعميقة لمشروع القانون المنظم للإضراب لتحصين مكاسب الشغيلة خاصة في ظل تواتر مبادرات تشريعية نكوصية (دمج صندوق CNOPS في CNSS، وإصلاح صندوق التقاعد …) لهذه الحكومة، تستهدف تفقير الشعب واستعباد الطبقة العمالية وتحميل الأجراء كلفة سياساتها النيوليبرالية.