قال علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، إن الحكومة المغربية أقرت مؤخرا بارتفاع أسعار الأدوية في المغرب من 3 إلى 5 مرات أو أكثر مقارنة بالدول الأخرى، منتقدا وقوفها عاجزة أمام لوبي شركات الأدوية التي تحقق أرباحا خيالية على حساب صحة وحياة المرضى.
جاء ذلك في تعليق له على تقرير للشبكة “حول ارتفاع أسعار الأدوية في المغرب“، نُشر بالصفحة الرسمية للشبكة، حيث تساءل عمن يحمي لوبي صناعة واستيراد الأدوية بالمغرب؟ ولماذا يتخلف مجلس المنافسة عن إعمال سلطاته الدستورية في محاربة الاحتكار والإثراء غير المشروع؟
وذكر التقرير أن وزير الميزانية فوزي لقجع ذكر خلال مناقشة مشروع مالية 2024 أن هناك أدوية تستورد منذ عشر سنوات بسعر 10 دراهم، ويتم بيعها في المغرب بـ 70 أو 80 درهما، وطالب “بتجنب احتكار السوق من طرف الشركات المصنعة لهذه الأدوية”.
خلاصات متعددة
وأضاف التقرير، وهو ما خلصت إليه عدة تقارير من مؤسسات دستورية ومن لجان تقصي الحقائق ولجن استطلاعية البرلمانية، وتقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومجلس المنافسة، والتقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات حول السياسات الدوائية في مارس 2023، الذي رصد اختلالات بالجملة في تدبير منظومة الأدوية بالمغرب، كما وقف التقرير على مجموعة من الاختلالات بينها وجود 25% من الأدوية في وضع احتكاري.
وقال المصدر ذاته، إن الدكتورة لحلو الفيلالي، نائبة رئيس الفدرالية المغربية للصناعة الصيدلانية والابتكار، ورائدة الدفاع عن السيادة الصحية والدوائية بالمغرب، كشفت عن حقيقة صادمة وهي أن جميع الأدوية التي يحتاجها المغرب، (باستثناء الأدوية الجنيسة)، مستوردة، في حين أن الفاعلين الوطنيين قادرون على إنتاج ما لا يقل عن 50% التي تظهر في المراكز العشر الأولى، من حيث الحجم وقيمة الأدوية المستوردة.
وأضافت أن الأدوية المستوردة تباع بسعر أعلى ثلاثة وأربعة إلى عشر مرات عن مثيلاتها في بلدان المنشأ، مطالبة بفرض رسوم جمركية على المواد المصنعة خارج الوطن وتشجيع الصناعة الوطنية. وبالتالي تفادي ظاهرة فقدان أدوية من السوق الوطنية التي تتسبب فيها الشركات المستوردة للأدوية.
وذكر التقرير أن دراسة هامة قام بها الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي “كنوبس” و’إدارة الجمارك المغربية” كشفت أن أسعار الأدوية بالمغرب أغلى من نظيرتها في بلجيكا وفرنسا بنسب مرتفعة جدا 3 أو 4 مرات، وتفوق أحيانا ما بين 250 و1000 في المائة، وخصوصًا تلك المستخدمة في علاج الأمراض المزمنة والخطيرة.
وبخصوص هامش الربح في المغرب، فأوضح التقرير أن بلادنا تعد ثاني أكبر هامش ربح في دول شمال أفريقيا ودول البحر الأبيض المتوسط، حيث يعد المغرب “جنة الأسعار الباهظة للدواء: تستفيد منها الشركات متعددة الجنسيات، وهو ما يعمق نزيف احتياطاتنا من العملة الصعبة ويعرقل مسيرتنا نحو التغطية الصحية الشاملة حسب دراسة قامت بها كنوبس وإدارة الجمارك المغربية”.
الاحتكار والفساد
وأورد التقرير أن قطاع صناعة الأدوية بالمغرب يضم اليوم 54 مختبرا، حيث تتحكم في سوق الأدوية 15 مختبرا بنسبة 70 في المائة من حصص السوق، مع وجود احتكارات جد ممركزة واحتكارات ثنائية واحتكارات تحتل وضعية شبه هيمنة.
وشدد أن مجال الأدوية في المغرب يعتبر عالما يسود فيه الاحتكار والريع والجشع، وغياب الشفافية في مراقبة أرباح الشركات، ومراقبة جودة المواد الأولية المستوردة التي تستخدم في صناعة الدواء الأصلي أو الجنيس، ومراقبة علمية لجودة المنتوج الدوائي وللمستلزمات الطبية.
وشدد التقرير أن ارتفاع أسعار الأدوية لا تثقل كاهل الأسر المغربية فحسب، بل تهدد أيضا على المدى القريب والمتوسط توازن نظام التغطية الصحية، وتهدد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كهيئة التدبير الموحدة للنظام الأساسي بالعجز المالي، بعد أن كانت السبب الرئيسي في عجز وتراجع احتياطات للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي “كنوبس”، ومستقبلا يمكن أن تهدد المنظومة الصحية بأكملها، إن لم يتدخل صناع القرار السياسي لوضع حد للاحتكار وفرض أسعار باهظة على المواطن المغربي والنفخ غير المشروع في حسابات الشركات المتعددة الجنسية.
وبجانب ارتفاع أسعار الأدوية، يتابع التقرير، تعاني فئة واسعة من المرضى وأسرهم من فقدان أدوية في المستشفيات والسوق الوطنية بسبب سواء تدبير مخزون الأدوية من طرف الشركات المستوردة للأدوية التي لا تحترم القانون المتعلق بتدبير المخزون الأمني، مما يؤدي إلى نفاد مخزون بعض الأدوية الضرورية لضمان الأمن الدوائي.
وذكر أن سنة 2023 شهدت نقصا يقارب 400 دواء في الصيدليات، نصفها من إنتاج الشركات الاحتكارية. ولم تخرج سنة 2024 عن القاعدة في فقدان عدد كبير من الأدوية كنقص مخزون أدوية امراض القلب والشرايين وأمراض نفسية وأمراض نادرة.
خطوات الإصلاح
وبناء على هذه المعطيات مجتمعة، دعت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة إلى “المراجعة الجذرية للمرسوم المتعلق بشروط وكيفيات تحديد سعر بيع الأدوية المصنعة محلياً أو المستوردة للعموم”، والعمل على “تحقيق السيادة الصحية والدوائية وضمان الأمن الدوائي”.
ودعت الشبكة إلى “ضرورة إصلاح المنظومة القانونية للأدوية والصيدلة وتعديل عيوبها وثغراتها، وتقديم المشروع القانون مدونة الأدوية ونظام جديد لتحديد أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية للبرلمان، حتى لا تبقى مستغلة من طرف لوبي مصنعي الأدوية، ومحاربة الإثراء غير المشروع، وجعل أسعار الأدوية في متناول القدرة الشرائية للمواطنين”.
وشدد التقرير على وجوب “تشجيع الصناعة الوطنية والاستثمار الوطني في الأدوية واللقاحات والمستلزمات الطبية، لتحقيق السيادة الصحية والدوائية الوطنية، عبر مراجعة النظام الضريبي وفرض رسوم جمركية على الأدوية المستوردة ومراقبتها ومحاربة الاحتكار”.
كما دعا التقرير إلى “مراقبة أسعار الأدوية عن طريق وضع معايير محددة سلفا يتم مراقبة تأثيرها كل سنتين على الأقل، ورصد التغيرات الطارئة على الأسعار مقارنة مع العوامل المختلفة مثل أسعار صرف العملات ونسبة التضخم. ومصدر المواد الأولية وتكلفة التصنيع”.
ودعا أيضا إلى “الإسراع بتنزيل القانون رقم 22-10 والمراسيم التطبيقية للوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية، الموكول لها مسؤوليات وصلاحيات الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية الموكول لها قانون إعداد السياسة الدوائية الوطنية والإسهام في تنفيذها وتتبعها وتقييمها”.