هناك من ينظر إلى الحرب الإجرامية على غزة نظرة قاصرة لا تتعدى نشر خطابات التيئيس بوعي أو بدونه، لنشر سردية لوم المقاومة وتجريم فعلها المقاوم المشروع.
لا جديد في عقيدة الإجرام الصهيوني، الجديد هذه المرة هو حجم الضحايا، أما عقيدة الإجرام الصهيوني فهي قائمة منذ تأسيسها على ارتكاب الجرائم المروعة ضد الفلسطينيين، وقبل 7 اكتوبر تبنت دولة الاحتلال عقيدة “جز العشب” التي تعني شن حروب دورية ضد الشعب الفلسطيني وهي حروب راح ضحيتها منذ فرض الحصار على قطاع غزة سنة 2007 آلاف الشهداء وعشرات الالاف من الجرحى وعشرات الالاف من الشهداء والمرضى بسبب الحصار الخانق على القطاع، وهم ضحايا منسيون لأنهم ضحايا بدون حرب مباشرة، دون حديث عن الوضع في الضفة الغربية.
إذن لا جديد في عقلية الإجرام الصهيوني، لكن من ينظر إلى الطوفان نظرة استراتيجية سيجد دولة الاحتلال في أزمة استراتيجية غير مسبوقة في تاريخها.
ومن أخطر الهزائم الاستراتيجية التي تعرضت لها دولة الاحتلال هو تحولها لدولة مارقة منبوذة على مستوى العالم، وهو تحول كان من الصعب تخليه قبل الطوفان.
فمن كان يجرؤ قبل الطوفان على مهاجمة دولة الاحتلال والأخطر منه مهاجمة اليهود بشكل مباشر في الإعلام!؟
لكن اليوم تزايدت النظرة العالمية الكارهة لدولة الاحتلال بل إن هناك عودة لموقف المسيحية التقليدي من اليهود، والنموذج هو حوار دان بلزيريان Dan Bilzerian مع بيرس مورغان، وبعث الموقف التقليدي المسيحي من اليهود هو بعث لحقد وكره تاريخي ضدهم.
كما أن هناك نظرة عالمية تنظر لليهود -حتى في الأوساط العلمانية الملحدة- باعتبارهم المتحكم في شؤون العالم وسبب الحروب والأزمات التي يعيشها العالم.
فمن كان يتخيل أن تصبح مثل هذه المواقف تنتشر وتقال بدون خوف من تهمة “معاداة السامية”، ومن كان يتخيل أن تستضيف برامج وقنوات إعلامية مشهورة من يروج لمثل هذه المواقف!؟
ومن كان يتخيل أن يقاطع الفرنسيون مقابلة في كرة القدم بسبب دولة الاحتلال، وأن تقوم كندا بحظر بيع السلاح لدولة الاحتلال، وأن تتخذ دول أوروبية مواقف قوية ضد دولة الاحتلال فضلا عن كره دول الجنوب لدولة الاحتلال!؟ إنها مواقف تبين عمق أزمة دولة الاحتلال وعمق أزمة المشروع الصهيوني.
بطبيعة الحال فموقنا غير موقف الأوروبيين من اليهود، وتاريخنا في التعاطي مع اليهود غير التاريخ الأوروبي المسيحي، فقد عاش اليهود أزهى فترات أمنهم مع الدول الإسلامية وحتى عندما طردتهم أوروبا المسيحية وجدوا الملجأ في الدول الإسلامية. كما أننا لا نؤمن بسردية تحكم اليهود في العالم، فهي سردية غربية الأصل تنطلق من نظرة مسيحية لليهود.
وبطبيعة الحال فإننا نؤمن بضرورة التمييز بين اليهود والصهاينة وبأن الصراع هو مع الصهاينة لا مع اليهود، لأن الجمع بين اليهودية والصهيونية هو خدمة للمشروع الصهيوني، ومن مواجهة ذلك المشروع فصل اليهودية عن الصهيونية.
لقد كان أول من حذر دولة الاحتلال من الوقوع في هزيمة استراتيجية بشكل مبكر بعد 7 أكتوبر هو وزير الدفاع الأمريكي، لكن ضربة 7 أكتوبر دفعت دولة الاحتلال للوقوع في الهزيمة الاستراتيجية. والرئيس الأمريكي نفسه بايدن حذر دولة الاحتلال بانها تتجه لكي تتحول لدولة مارقة، وهذا ما يقع الآن.
صحيح ان المشروع الصهيوني قائم على نشر سردية أن لا مكان آمن باليهود إلا في دولة الاحتلال، ولهذا فهو يوظف أحداث امستردام والمواقف الكارهة لليهود في الغرب لدعم سرديته، لكن الزمن غير الزمن، فما كان ممكنا قبل عقود وتوظيف المحرقة لتهجير اليهود غير ممكن اليوم، كما أن دولة الاحتلال أصبحت أسوأ مكان لليهود في العالم من الناحية الأمنية، كما أن واقع اليهود في الدول الغربية لن يدفعهم للتضحية بما عندهم في مقابل الهجرة لدولة مارقة منبوذة غير آمنة.
من هنا ستتجه العلاقة بين يهود العالم ودولة الاحتلال نحو مزيد من التنافر، لأن اليهود يشاهدون كيف أسهمت جرائم دولة الاحتلال في عودة خطاب كراهية اليهود في الغرب، وكيف أن دولة الاحتلال تهدد مكاسب كبيرة حققها اليهود في الغرب، لذلك ستتجه العلاقة نحو التأزيم ليس بشكل آني ولكن على المدى الطويل، خصوصا مع ظاهرة الهجرة العكسية من دولة الاحتلال وبالأخص أن المغادرين من دولة الاحتلال هم من النخبة العلمية والاقتصادية العلمانية التي باتت ترى أن دولة الاحتلال أصبحت خطرا عليهم لاسيما مع الصراع الداخلي هناك وتزايد قوة التيار الديني المتطرف.
رابط المشاركة :
شاهد أيضا