يتيم يكتب: جماعة الشرعي والتضامن مع رئيس وزراء الكيان بعد صدور قرار الجنائية الدولية

محمد يتيم


 

 

ماذا يعني شعار”كلنا إسرائيليون” الذي تروج له جماعة ” الشرعي ” في سياق العدوان الصهيوني على الشعبين الفلسطيني واللبناني وخاصة بعد إصدار مذكرة اعتقال رئيس وزراء الكيان باعتباره مجرم حرب ؟
هذا الشعار الذي ترفعه جماعة “الشرعي” يجسد من جديد و بوضوح دفاع مالك للمجموعة الإعلامية “غلوبال ميديا هولدينغ” الناشرة لجريدة ’’الأحداث المغربية’’، في صحيفة ” تايم أوف إسرائيل” بتاريخ 24 نونبر 2024، والذي يطعن من خلاله في قرار المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرتي اعتقال في حق مجرم الحرب رئيس وزراء الكيان الصهيوني “نتانياهو” ووزير الدفاع الصهيوني السابق “غالانت”،
وهكذا ففي الوقت الذي تكاثرت وتعددت ردود الفعل المرحبة بقرار الجنائية الدولية المشار إليه، ينبري ” الشرعي ” مدافعا مستميتا عن عتاة مجرمي الحرب في الكيان الصهيوني.
دعونا أولا نستعرض ردود الفعل التي صدرت على إثر صدور القرار المذكور ليس لدى العرب والمسلمين، بل عند غيرنا من الدول والأمم التي لا يمكن أن تصنف في خانة ” الظلاميين ” و” الرجعيين ” والإخوان المسلمين “.
القرار قوبل بتأييد واسع في عدد من الأوساط الدولية الحداثية الديمقراطية حقا وصدقا، حيث أنه من بين أكثر من 120 دولة موقّعة ومصادقة على ميثاق روما بشأن المحكمة الجنائية الدولية، أعلنت أغلب دول العالم عن التزامها بالقانون الدولي، ومن بينها عدد من المواقف الأوروبية أبرزها منسق المنسق الشؤون الخارجية في الاتحاد جوزيف بوريل، وأيضا أيرلندا التي صرح رئيس وزرائها “سايمون هاريس” بأن “دبلن” مستعدة لاعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي ستعتقل نتنياهو إذا حل في أراضيها لأي سبب من الأسباب.
كما أعلن عن رئيس وزراء سلوفيني “روبرت غولوب” إن بلاده ستمتثل لمذكرات الاعتقال التي أصدرتها الجنائية الدولية “بشكل كامل”.
ونفس الشيء بالنسبة لإيطاليا التي أعلن وزير دفاعها أنها ستضطر إلى توقيف رئيس الوزراء الإسرائيلي إذا زارنا”.
كما أن وزير خارجية هولاندا كاسبر فيلدكامب ألغى زيارة له إلى الكيان الصهيوني بعد صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية. وأعرب عن استعداد بلادة لتنفيذ قرار المحكمة .
ونقلت وكالة “رويترز” عن فيلدكامب قوله : إن بلاده مستعدة لتنفيذ قرار المحكمة.
كما أكدت سويسرا أن سلطاتها ملزمة باعتقال نتنياهو وغالانت حال حلولهما بأرضيها .
وأكد المتحدث باسم الوزارة أن “سويسرا تحترم استقلال المحكمة الجنائية الدولية، ولا تعلق على هذه القرارات”.
وصرحت قبرص كذلك أنها تعد مذكرات اعتقال لرئس وزراء الكيان الصهيوني وأنها ملزمة من حيث المبدأ بتنفيذ المذكرة …
و أعرب السيناتور الأميركي المستقل عن تأييده لقرار الجنائية الدولية . وقال في منشور على موقع إكس” إن الاتهامات تستند إلى أسس متينة، وأضاف “إذا لم يمتثل العالم للقانون الدولي، فسننحدر إلى مزيد من الهمجية”.
رئيس الوزراء الصهيوني وصف القرار بأنه “محاكمة درايفوس” في إشارة واضحة لاعتباره قرارا “لا ساميا ” ومعاديا لليهود وللحضارة الإنسانية ، ويوما أسود في تاريخ الشعوب المتحضرة حسب زعمه .
ومعلوم أنه قبل صدور القرار سعى الكيان الصهيوني لترهيب قضاة المحكمة وابتزاز المدعي العام عبر اتهامه في ” قضية جنسية ” ليصل إلى خلاصة مفادها أنها صادرة عن جهة “فاسدة”.
إسرائيليون أكثر من الإسرائليين الصهاينة
في هذا السياق من ردود الفعل المرحبة بهذا القرار التاريخي الشجاع أبى أصحاب شعار ” كلنا إسرائليون ” إلا أن يكونوا نشازا كما هي العادة، وأن يبقوا أوفياء لشعار” العار”، شعار الشماتة في عشرات الآلاف من الشهداء ضحايا العدوان وفي معاناتهم، في شذوذ بين عن المواقف الإنسانية النبيلة التي عبرت عنها شعوب العالم، بل عن المواقف الرسمية التي عبرت عنها عدة دول لا يمكن أن تحسب على التعاطف مع حركة حماس أو الجهاد الإسلامي أو حزب الله …
وهو ما يزيد في سقوط القناع عن الكيان الصهيوني، والقناع الذي تصنعه البروباغنذا الإعلامية المخترقة صهيونيا في عدد من الدول والأوساط ” الحداثية المزعومة ” في بلادنا العربية .
وفي هذا الصدد نسجل أن ” جماعة الشرعي ” لم ترفع شعار” كلنا إسرائيليون ” لمجرد المناكفة والتعبير عن الاختلاف، بل إنها تعبر عن أقصى درجات التحلل ليس من الانتماء الثقافي والحضاري والإنساني الذي يفرض نصرة شعب يباد في فلسطين ـ بل من أجل الشماتة في شعب يذبح، وفي آلاف من الآيامى واليتامي والمشردين الذي يلاحقهم العدوان الصهيوني بهمجية قل نظيرها في تاريخ البشرية، لا لشيء، فقط لأنه شعب مقاوم ويحتضن المقاومة التي يكرهها الكيان الصهيوني ويكرهها كل من يتماهي مع الهوية الصهيونية برفع شعار ” كلنا إسرائيليون”، والتعبير بذلك عن درجة متقدمة من الوقاحة والشذوذ عن مواقف الأمة الإسلامية، وعن الضمير العالمي الحي الذي تخرج شعوب الأرض التي لا يزال لديها رصيد حي منه للتظاهر والتضامن مع الشعب الفلسطيني والاستنكار لجرائم الحرب والجرائم اليومية ضد الإنسانية التي ترتكبها الصهيونية ضد الإنسانية في فلسطين .
من المؤسف أن نقارن بين هؤلاء من أبناء بلدنا وأمتنا، وهذا هو الأصل وما يقتضيه منا حسن منطق حسن الظن، أن نجد شعوبا ومفكرين ومثقفين وفنانين لا يشتركون مع المسلمين في معتقد ديني أو موروث ثقافي أو حضاري، وقد تحركت فيهم النخوة الإنسانية ووخز الضمير والشعور بالمسؤولية والتقصير في مواجهة ما يحدث مما يجعلهم بخرجون في مسيرات ومظاهرات حاشدة تضامنا مع الشعب الفلسطيني ومساندة له في حرب الإبادة التي تشنها آلة العدوان الصهيوني، وتتطوع في فرق إغاثية وطبية لإسناد الشعب الفلسطيني ودعمه في محنته ـ وأن نجد أن قوما من بني جلدتنا ممن يتكلمون بألسنة حداد أشحة بالكلمة الطيبة التي تعكس شعورا بالألم لما يألم له أخ الدين والعقيدة والتاريخ والحضارة، وقبل هذا وبعده الأخ في الإنسانية، الألم الذي يحرك التظاهرات الحاشدة في شوارع لندن ونيويورك ومدريد وغيرها من عواصم العالم.
ليس ذلك فحسب بل أن يصل الأمر ببعض بني جلدتنا إلى كيل كلمات المدح لوجه قبيح هو وجه الصهيونية ـ حيث تحول الكيان الصهيوني إلى أكبر نموذح عدواني عرفه التاريخ البشري بالنظر إلى ما تحدثه حربه على الشعب الفلسطيني من دمار في العمران وإبادة في البشر والحجر والطبيعة،
لقد تجاوز المدعو “أحمد الشرعي” كل الخطوط الحمراء في تحدِّيه للشعور الوطني والإنساني، و في السعي لتبييض الصفحة السوداء صفحة الإجرام والعدوانية، وفي قلب الحقائق ووصف دولته القائمة على أساس القتل والتهجير والاحتلال ـ بالدولة ” الديمقراطية”، وفي الدفاع تبعا لذلك ضمنا عن جرائمها بدعوى “حقها في الدفاع عن النفس “.
والواقع أن هذه المواقف الشاذة والمواقف التي على شاكلتها إن كانت موجودة وحقا، أو يوجد من يفخر بالانتساب لها، لا تمثل المغاربة ولا تعبر عن حقيقتهم التي يؤكدها دورهم التاريخي في الدفاع عن القدس وإعمارها، وارتباطهم بها حتى إن رحلة الحج لم تكن تكتمل في تقدير عدد كبير منهم دون زيارة القدس خلال الذهاب أو الإياب من رحلة الحج ..
هي مواقف شاذة أيضا عن الموقف التلقائي التي تعبر عنه عدد من شعوب العالم من خلال مسيراتها وتظاهرات بما في ذلك في قلب العواصم الأوروبية وفي كبرى المدن الأمريكية.
هو بوضوح تضامن مع الإجرام ومع أبشع وجه أفرزنه التجربة البشرية عبر التاريخ، وجه تتجسد فيها كل معاني العدوان والغدر والاعتداء والحرب على الفطرة والبراءة والإفساد في الأرض،
فكيف نجد فينا قوما  يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ؟ كيف يصل الحد بواحد منا أن يعلن تضامنه مع أحد أكبر مجرمي الحربي في التاريخ ؟
أفلا تعقلون ؟ أفلا تتقون الله فى مئات الآلاف من التكالي والأيامى واليتامي والمشردين الذين تلاحقهم آلة العدوان الصهيوني في خيام النزوح وفي طريقهم إلى النزوح وعند لجوئهم إلى ما تبقى من مخلفات دمار البيوت على رؤؤس ساكنيها من الأبرياء ؟

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.