لم تعد الساحة السياسية المغربية كما كانت عليه قبل سنوات، عندما كانت تعج بالحيوية والنقاشات الحادة، خاصة خلال الفترة التي كان فيها حزب العدالة والتنمية في صدارة المشهد. اليوم، نعيش واقعًا مغايرًا تمامًا بعد إزاحة الحزب في انتخابات 8 شتنبر غير المفهومة وغير المنطقية؛ الركود هو العنوان الأبرز، والاهتمام بالشأن السياسي أصبح في أدنى مستوياته. لكن يبقى السؤال: ما الذي يحدث؟ هل فقد المغاربة الثقة في الأحزاب؟ أم أن المشكلة تكمن في الحكومة؟ أم أن النخب السياسية لم ترقَ إلى مستوى التطلعات؟
الأحزاب.. غياب الجاذبية والخطاب المقنع
كانت الأحزاب السياسية دائمًا حجر الزاوية في العملية الديمقراطية، لكن يبدو أنها تعيش اليوم أزمة وجود حقيقية. فقد تراجعت قدرتها سيما بعد انتكاسة 8 شتنبر على جذب المواطن والتعبير عن تطلعاته. الخطابات المكررة، وغياب برامج واقعية، وتفاقم الصراعات الداخلية جعلت الكثيرين ينظرون إليها كمجرد واجهات لمصالح شخصية أو فئوية. هذا الوضع أدى إلى اهتزاز الثقة بين المواطنين وهذه المؤسسات، خاصة في ظل عجزها عن تقديم وجوه جديدة وأفكار مبتكرة.
حكومة تضارب للمصالح عاجزة عن التغيير
من جهة أخرى، لم تفلح حكومة 8 شتنبر في تلبية تطلعات المغاربة، بل ساهمت سياساتها في تعميق الإحباط العام. المواطن البسيط لا يزال يواجه مشاكل مزمنة في قطاعات حيوية كالصحة والتعليم والتشغيل، بينما الخطابات الرسمية تركز على الإنجازات التي غالبًا ما تكون بعيدة عن الواقع الملموس. هذا الانفصال بين الحكومة والشعب عزز حالة العزوف عن السياسة وأضعف المشاركة في العملية الديمقراطية.
النخب السياسية.. أزمة كفاءة ورؤية
أما النخب السياسية، فقد أصبحت هي الأخرى جزءًا من المشكلة. الكفاءة التي ينتظرها الشارع من قيادات البلاد تبدو غائبة، والعديد من الوجوه السياسية الحالية تفتقر إلى القدرة على تقديم حلول حقيقية وملموسة. بالإضافة إلى ذلك، يفتقر المشهد إلى رؤية استراتيجية واضحة وطموحة تستطيع إخراج البلاد من أزماتها وتوجيهها نحو مسار أفضل.
كيف يمكن استعادة الثقة؟
إعادة الثقة إلى المشهد السياسي تتطلب تغييرات جذرية. أولًا، يجب على الأحزاب أن تعيد النظر في طريقة عملها وأن تقترب أكثر من هموم المواطنين، مع تجديد خطابها وتقديم وجوه شابة ذات كفاءة. ثانيًا، على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها كاملة من خلال تنفيذ إصلاحات حقيقية وملموسة تمس حياة المواطن اليومية بشكل إيجابي. ثالثًا، يجب أن تُعزز قيم الشفافية والمساءلة داخل المؤسسات السياسية، بما يخلق مناخًا يشجع على الانخراط السياسي الحقيقي.
المغرب يحتاج اليوم إلى نفس جديد يعيد الأمل إلى المواطنين ويدفعهم للمشاركة في بناء مستقبل أفضل. بيد أن تحقيق هذا الهدف يتطلب إرادة جماعية وتعاونًا بين مختلف الأطراف، من أجل تجاوز هذه المرحلة الصعبة وفتح صفحة جديدة في مسار البلاد السياسي تعزز النضال الديمقراطي الذي دشنته المغرب بعد إقرار دستور 2011 من أجل مغرب العدالة والديمقراطية الاجتماعية وخيار الإصلاح في ظل الاستقرار.