حامي الدين يكتب: هل انتصرت المقاومة في لبنان؟ وما مصير معركة الإسناد الاستراتيجي؟
عبد العلي حامي الدين
على عكس بعض التحليلات التي تمتح من قاموس الهزيمة النفسية التي يشتغل بكثافة هذه الأيام بما فيها بعض التحليلات التي تقدم في قنوات عربية محترمة، يمكن أن نرى صورة انتصار المقاومة في لبنان بشكل واضح بمجرد إعادة تركيب الوقائع والأحداث بشكل دقيق بعيدا عن الضجيج الإعلامي السائد هذه الأيام.
أولا، عندما أعلن الأمين العام لحزب الله قرار إسناد جبهة غزة، كان واضحا أنه لا يريد جر لبنان إلى حرب شاملة مع دولة الاحتلال، ولكنه كان يرغب في تحقيق هدفين:
– إشغال جزء معتبر من جيش الاحتلال في معركة استنزاف طويلة للتخفيف على غزة.
– منع مستوطني شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة الذين يتجاوز عددهم 200 ألف مستوطن من العودة إلى مستوطناتهم.
بالمقابل، اعتمد جيش الاحتلال على سلاح الجو وقذائف المدفعية لقصف ما كان يدعيه مواقع لأسلحة حزب الله، مهددا بحرب برية للقضاء النهائي على حزب الله ونزع سلاحه.
لكن قبل اتخاذ قرار الاجتياح البري أعلن مجرم الحرب نتنياهو عن أهدافه الحقيقية:
– القضاء على حزب الله بشكل نهائي ونزع سلاح المقاومة، وهي خطوة ضرورية لتحقيق الهدف الحقيقي الذي هو” تغييّر وجه الشرق الأوسط”.
إن عبارة تغيير وجه الشرق الأوسط ليست عبارة للاستهلاك الإعلامي وإنما هي مشروع استراتيجي حقيقي يتجاوز غزة وفلسطين ولبنان إلى الشرق الأوسط، وفي تقديري أن الهدف الحقيقي الذي اشتغلت عليه القيادة العسكرية والسياسية لدولة الاحتلال كان هو “إنهاء وجود حزب الله، واحتلال لبنان إما بشكل مباشر أو عن طريق حكومة عميلة يجري التحكم فيها من تل أبيب في أفق التغيير الفعلي لخارطة الشرق الأوسط”.
الحجة الواضحة في ذلك، أن الخطة التي جرى إعدادها كانت تهدف إلى:
– تصفية القيادة العسكرية والسياسية لحزب الله.
– ضرب المواقع الرئيسية في الهيكل التنظيمي للحزب وشل حركيته.
– ضرب المفاصل الأساسية للحاضنة الشعبية للحزب.
والباقي يتم استكماله في الاجتياح البري لتدمير ما تبقى من خلايا وخنادق وأنفاق ومقدرات عسكرية ولوجستية.
هذه الخطة كانت مسبوقة بإعداد استخباراتي وعسكري وتجسسي دام لعدة سنوات.
وقد كانت إرادة قادة الاحتلال واضحة وهم يعلنون على لسان مجرم الحرب نتنياهو عدم رغبتهم في تحديد موعد لإنهاء الحرب على لبنان، وإنما هناك “أهدافا واضحة للانتصار فيها”.
لقد كشفت صحيفة واشنطن بوست، ما قالت إنها تفاصيل جديدة، تتعلق بعملية تفجير أجهزة الاتصالات “البيجر” بأعضاء حزب الله في لبنان، واختراق الاتصالات لسنوات طويلة والتجسس على تحركات الحزب.
وزعمت الصحيفة أن الخطة تعود إلى عام 2022، حيث توقفت أجزاء منها بعد هجوم “حماس” في 7 أكتوبر 2023، وكانت هناك حاجة للتهدئة على جبهة الشمال.
وفي الوقت نفسه، قامت أجهزة المخابرات الصهيونية و الأمريكية و الأوروبية بمراقبة الحزب، ومحاولة اختراقه عبر الرقابة الإلكترونية وزرع العملاء. وتحويل الأجهزة الإلكترونية، بما فيها الهواتف المحمولة إلى أجهزة تجسس بيد الاحتلال.
الآن، لنعد لاتفاق وقف إطلاق النار والذي يتضمن 13 بندا، تختلف كثيرا عما يروج في تحليلات عدد من القنوات العربية، وتجنباً لأي لغط أو تأويل، إليكم بنود النص الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان كما نشرته صحيفة ” الشرق الأوسط”، قبل أن نعلق عليه ونبرز أين يكمن انتصار المقاومة وأين تكمن هزيمة دولة الاحتلال:
1- «حزب الله» وجميع الجماعات المسلحة الأخرى في الأراضي اللبنانية لن تقوم بأي عمل هجومي ضد إسرائيل.
2- إسرائيل، بدورها، لن تنفذ أي عملية عسكرية هجومية ضد أهداف في لبنان، بما في ذلك من البر والجو والبحر.
3- تعترف إسرائيل ولبنان بأهمية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701.
4- يحتفظ الطرفان بحق الدفاع الذاتي ضمن أطر المواثيق الدولية.
5- القوات الأمنية والعسكرية الرسمية للبنان ستكون الجهة المسلحة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح أو استخدام القوات في جنوب لبنان.
6- كل بيع أو توريد أو إنتاج للأسلحة أو المواد المتعلقة بالأسلحة إلى لبنان سيكون تحت إشراف وسيطرة الحكومة اللبنانية.
7- سيتم تفكيك جميع المنشآت غير القانونية المعنية بإنتاج الأسلحة والمواد المتعلقة بها.
8- سيتم تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية، وستتم مصادرة أي أسلحة غير قانونية لا تتماشى مع هذه الالتزامات.
9- سيتم تشكيل لجنة مقبولة على إسرائيل ولبنان للإشراف والمساعدة في ضمان تنفيذ هذه الالتزامات.
10- ستقوم إسرائيل ولبنان بالإبلاغ عن أي انتهاك محتمل لهذه الالتزامات إلى اللجنة وقوة «اليونيفيل» (القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان).
11- ستنشر لبنان قواتها الأمنية الرسمية وقوات الجيش على طول جميع الحدود، ونقاط العبور، والخط الذي يحدد المنطقة الجنوبية وفقاً لخطة الانتشار.
12- ستقوم إسرائيل بسحب قواتها تدريجياً من الجنوب باتجاه الخط الأزرق خلال فترة تصل إلى 60 يوماً.
13- ستدفع الولايات المتحدة لمفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل ولبنان من أجل التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود البرية.
بالقراءة المتأنية لبنود الاتفاق، نلاحظ أن هناك اعتراف بحزب الله بما يمثله من قوة عسكرية أساسا، يتعهد بعدم القيام بأعمال هجومية، وهذا طبيعي فالمقاومة تقوم بأعمال الدفاع أساسا وصد العدوان، بينما تتعهد إسرائيل التي اعتادت على القيام بأعمال عدائية هجومية عن التوقف عن ذلك، ثانيا، كل ما يتعلق بما سمي “بالأسلحة غير المشروعة” تمت صياغته بطريقة عامة وفضفاضة تفتقر إلى آليات التنفيذ، وعلى غرار القرار 1701 ستقوم إسرائيل ولبنان بالإبلاغ عن أي انتهاك محتمل لهذه الالتزامات إلى اللجنة وقوة «اليونيفيل» (القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان).
هذا على مستوى الاتفاق المكتوب الذي يبقى مجرد هامش على متن قرار 1701 الذي سبقت للمقاومة الاعتراف به في إطار معادلة ( الجيش- المقاومة – الشعب) ..
نمر الآن إلى الواقع الميداني الذي يبدو أصدق أنباء من الكتب:
– بمجرد الإعلان عن وقف إطلاق النار بدأ أهالي جنوب لبنان يعودون إلى ديارهم حاملين شعارات النصر ويهتفون بانتصار المقاومة، ومعظم قرى الجنوب بدأت باستقبال أصحابها رغم الخروقات المسجلة من قبل قوات الاحتلال مستغلة مدة ستون يوما التي منحت لها من أجل الانسحاب التدريجي من الجنوب.
– بينما لم يتمكن مستوطنو شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة من العودة إلى المستوطنات بتعليمات من جيش الاحتلال الذي يتحجج باحتمال استمرار الحرب على لبنان كسبب لعدم الدعوة لعودة الآلاف لبيوتهم في الشمال، لكن الحقيقة خلاف ذلك كما سنوضح.
انطلاقا مما سبق، يمكن القول بأن دولة الاحتلال فشلت فشلا ذريعا في تحقيق أهدافها العسكرية والاستراتيجية، والمتمثلة في القضاء على المقاومة الإسلامية وتدمير قدراتها العسكرية، لكن الهزيمة الأكبر هي تبديدها للأوراق الاستخباراتية والأمنية التي كانت تملكها وتراهن عليها لتحقيق هدف القضاء النهائي على حزب الله والتحكم في لبنان، وهذا بالضبط ما يمنح لحزب الله ميزة استراتيجية تجعله في وضع المنتصر لأنه لا زال يملك قوة الردع التي تمكنه من تهجير مستوطني الشمال، ناهيك عن أنه أظهر قدرة حقيقية على الوصول إلى المحور الاقتصادي لكيان الاحتلال المتمثل في حيفا، واستهداف المركز السياسي للكيان المتمثل في تل ابيب بالصواريخ الدقيقة والقوية، وهو ما جعل الاحتلال بحاجة إلى التسريع بوقف إطلاق النار ناهيك عما فقدته الدولة المارقة من عنصر المباغثة وفشلت في تحقيق هدف القضاء على حزب الله، وهذا بالضبط ما يجعل جيش الاحتلال غير قادر على إخلاء مواقعه في بعض القرى اللبنانية بالشريط الحدودي بالإضافة إلى الحفاظ على فرقه العسكرية بالشمال الفلسطيني المحتل.
وهو ما يمنح لحزب الله ميزة استراتيجية ثانية وهي أنه بهذا الوضع قادر على إشغال أزيد من ثلث الجيش الإسرائيلي حتى في ظل وقف إطلاق النار، كما يتوفر على ميزة التهديد الاستراتيجي لمستوطنات الشمال والوصول إلى قلب إسرائيل السياسي والاقتصادي المتمثل في حيفا وتل أبيب وهذا هو السبب الحقيقي لإحجام دولة الاحتلال على السماح للمستوطنين للعودة إلى ديارهم واستعجالها وقف اطلاق النار.
وهو ما يعني في النهاية أن المقاومة انتصرت وإسرائيل انهزمت ومعركة الإسناد لازالت مستمرة بدون كلفة عسكرية ..
نعم لا زال سلاح العدو الإسرائيلي قادر على شن حرب عدوانية قائمة على تدمير المنشآت المدنية وقصف المستشفيات واستهداف المدنيين، ولكنه فقد قدرته على تحطيم المقاومة والتحكم في لبنان وتغيير وجه الشرق الأوسط من جديد ..
بينما لازالت جبهة المقاومة متماسكة بفضل صمودها وبفضل الخزان الاستراتيجي الذي تقدمه إيران عبر سوريا، وهذا مدخل ضروري لفهم ما يجري هذه الأيام من تحرك احتياط المجموعات المسلحة ضد سوريا وهو ما يمثل خدمة تكتيكية للصهاينة هم في أمسّ الحاجة إليها وهو يتجرع مرارة الهزيمة.