كشف رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، إدريس الأزمي الإدريسي، أن ورش تعميم التغطية الصحية تواجهه عدة تحديات ستعرقل نجاحه واستدامة توازنه المالي وجودة خدماته.
أرقام مقلقة
ونبه الأزمي في مقال رأي نشره بأسبوعية “الأيام”، تحت عنوان “التغطية الصحية: حقيقة ما تفيده أرقام الحصيلة الحكومية، إلى أن 8.5 مليون من الساكنة لا يستفيدون من التغطية الصحية، إما لأنهم غير مسجلين أصلا (4.978مليون، 13.5 في المائة من مجموع الساكنة) أو لأن حقوقهم مغلقة (3.567 مليون، 9.7 في المائة من مجموعة الساكنة).
ولفت رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، إلى أنه تم تنبيه الحكومة مبكرا أي نهاية سنة 2022، إلى أن عملية التحويل من نظام المساعدة الطبية المجانية “راميد” إلى “أمو تضامن” أقصت ما يزيد من 3.72 مليون أسرة وأزيد من 8 مليون فردا كانوا يستفيدون سابقا، ولم تجد الحكومة منذ ذلك الحين من تفسير سوى أنها واصلت النفي أو بررت بأن هذا العدد هو عدد تراكمي وليس عددا حقيقيا.
واليوم، يؤكد الأزمي إذا تم تحليل هذه الأرقام انطلاقا من المعطيات التي يوفرها رأي المجلس يتبين أن سبب عدم تسجيل هذه الفئة أو سبب عدم قدرتها على دفع المساهمة بعد تسجيلها، هو بالأساس لكون الفئة المقصودة بـ «أمو الشامل» وهو نظام مخصص للأشخاص القادرين على دفع اشتراكاتهم والذين لا يمارسون أي : أو غير مدفوع الأجر، أو تلك المعنية بنظام العمال المستقلين وغير الأجراء، هم أقرب بكثير إلى فئة أمو تضامن، أي الأشخاص غير القادرين على دفع واجب الاشتراك الشهري، وبالتالي يصعب انخراطهم مقابل الأداء في نظام التأمين الصحي.
وأبرز الأزمي، أن الأمر يتضح أكثر من خلال رأي المجلس الذي بيّن أن 92 في المائة من المعنيين بـ”نظام أمو شامل” هم أشخاص تقع عتبة السجل الاجتماعي الموحد لديهم أعلى بقليل من عتبة الأهلية، ويقعون بالتالي في أول دفعتين من المساهمات، أي 144 و 176 درهما كل شهر. وهي بالتالي فئة هشة وغير قادرة على دفع الاشتراكات وبالتالي من الصعوبة ضمان انخراطها في المنظومة.
ومن جانب آخر، أكد الأزمي أنه ما بين 57 في المائة و 97 في المائة من نفقات التأمين الإجباري الأساسي عن المرض يتم توجيهها نحو القطاع الصحي الخاص الربحي بالرغم من كون المستشفيات العمومية تمثل الحصة الكبرى على مستوى الطاقة الاستيعابية وعلى مستوى الاستقبال.
التحديات
وعن التحديات، كشف الأزمي عن ثلاث تحديات كبرى ستواجه ورش تعميم التغطية الصحية، مبرزا أن التحدي الأول يتعلق بإنجاح ورش تعميم الاستفادة من التغطية الصحية لعموم الساكنة وهو ما يتطلب التعامل بمسؤولية ومرونة وإنصاف مع الفئة المستعصية على الإدماج وهي الفئة الهشة وغير القادرة على المساهمة.
ويتعلق الأمر بحسب الأزمي بجزء من العمال المستقلين وغير الأجراء، وبجزء كبير من الفئة التي صنفت ضمن الأشخاص القادرين على الأداء «أمو شامل»، مشددا على ضرورة إيجاد الحلول الملائمة لضمان استخلاص المساهمات من طرف من هم قادرون حقيقة على أداء المساهمة في النظام، وإدماج الباقي في نظام “أمو تضامن” ولا سيما بالنظر للفاتورة التي أصبحت تتحملها الدولة برسم هذا النظام.
والتحدي الثاني يتعلق بحسب الأزمي بضمان استدامة نظام التغطية الصحية الشاملة، ويتطلب هذا التحدي التدخل المستعجل لوضع حد للاختلال الكبير الذي برز بين القطاعين العام والخاص سواء من حيث تدبير مسار الولوج للخدمات الصحية وما يرتبط بها من نفقات أو من حيث الأسعار المطبقة والتباين الكبير في التكلفة بين القطاعين.
وذلك يضيف الأزمي، لكي لا ينحرف نظام التأمين الصحي الأساسي الذي اعتمد كورش مجتمعي يهدف إلى تعميم الحماية، نحو سياسة تجارية توفر من خلالها الدولة ومساهمات المشتركين الملاءة المالية لمزيد من الطلب غير المقنن على النفقات الصحية، مبرزا أن الأمر لا يتعلق بقطاع تجاري يشتغل بمنطق السوق وبمنطق تشجيع الاستهلاك بقدر ما يتعلق بسياسة عمومية تهدف إلى توفير الخدمات الصحية اللازمة وذات الجودة عند المرض ولا سيما للفئات الهشة، وهو بذلك يتطلب استحضار أخلاقيات المهنة والاقتصاد والترشيد والحكامة الجيدة في توفير العلاج والأدوية والفحوصات والاستشفاء والنفقات المرتبطة بها، قبل البحث عن مورد جديدة لتمويلها.
وخلص بالقول إلى أن التحدي الثالث يتعلق بحكامة نظام التأمين الصحي عن المرض، داعيا إلى إعادة النظر بشكل جدي في المنهجية التي اعتمدتها الحكومة لضمان التقائية مختلف أنظمة الحماية الاجتماعي من خلال اعتماد هيئة موحدة لتدبير هذه الأنظمة، وهو ما يقتضي بحسب الأزمي تصحيح الكيفية التي تقترحها الحكومة لدمج كل من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي باستحضار المصلحة العامة، والحرص على تجويد آليات الحكامة وترشيد ونجاعة الخدمات والنفقات الصحية، عوض منطق الاسترضاء الذي أدى إلى توافق يبقي مجموعة من التعاضديات بشكل متواز مع هذا النظام.