في حوار مع pjd.ma الخبير في العلاقات الدولية نور الدين يكشف دلالات زيارة الرئيس الموريتاني للمغرب وآثارها على مستقبل قضية الصحراء
قال الخبير في العلاقات الدولية، والمتخصص في ملف الصحراء المغربية، أحمد نور الدين، إنه رغم أن زيارة الرئيس الموريتاني للمغرب يوم الجمعة 20 دجنبر 2024 كانت خاصة، إلا أن حيثياتها وفحواها جعلا منها زيارة ذات حمولة سياسية كبيرة وذات أبعاد استراتيجية.
وأوضح الخبير في العلاقات الدولية، والمتخصص في ملف الصحراء المغربية، في حوار خص به pjd.ma، أن بلاغ الديوان الملكي ذكر بأن الزيارة تندرج في إطار “علاقات الثقة والتعاون القوية”، كما أكدّ “حرص البلدين على تطوير مشاريع استراتيجية للربط بين البلدين الجارين”، وفي ذلك يؤكد نور الدين “إشارات قوية تتعلق بالرّد على الجهات التي تسعى إلى الاصطياد في الماء العكر، والتي حاولت بكلّ ما أوتيت من قوة البترودولار إغواء موريتانيا بالدخول في تحالفات ضدّ مصالح المغرب وأمنه القومي، فجاءت النتائج عكسية تماماً”.
وفي ما يلي نص الحوار:
كيف قرأتم استقبال جلالة الملك للرئيس الموريتاني خلال الزيارة الأخيرة له للمغرب؟
رغم أن زيارة الرئيس الموريتاني للمغرب يوم الجمعة 20 دجنبر 2024 كانت خاصة، إلاّ أنّ حيثياتها وفحواها جعلا منها زيارة ذات حمولة سياسية كبيرة وذات أبعاد استراتيجية. ذلك بأنّ بلاغ الديوان الملكي ذكر بأن الزيارة تندرج في إطار “علاقات الثقة والتعاون القوية”، كما أكدّ “حرص البلدين على تطوير مشاريع استراتيجية للربط بين البلدين الجارين”.
وفي ذلك كما تلاحظون إشارات قوية تتعلق بالرّد على الجهات التي تسعى إلى الاصطياد في الماء العكر، والتي حاولت بكلّ ما أوتيت من قوة البترودولار إغواء موريتانيا بالدخول في تحالفات ضدّ مصالح المغرب وأمنه القومي، فجاءت النتائج عكسية تماماً، فهناك حديث في البلاغ عن الثقة وهي تعني ما تعنيه من وفاء لوشائج القرابة والتاريخ ومن ثبات في مواقف التضامن والتعاون، ورفض الدخول في محاور ضد المغرب. وقد سبق للرئيس الغزواني أن قاطع اجتماعاً مغاربياً بدون المغرب دعت إليه الجزائر في مارس 2024، رغم أنه كان متواجداً هناك لحضور القمة السابعة للدول المصدرة للغاز.
وهناك حديث عن العلاقات القوية وكأنّ البلاغ يقول “الحقيقة ما ترى لا ما تسمع”، فالمغرب يشكل 50 في المائة من واردات موريتانيا من كلّ القارة الإفريقية. كما أنّ هناك رمزية عالية لا تخطئها العين، لا من حيث اختيار الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني المغرب بلداً لعلاج حرمه وهي علامة أخرى للثقة المتبادلة، ولا من حيث اختياره توقيت اللقاء بجلالة الملك مباشرة بعد زيارة الرئيس الجزائري إلى نواكشوط يوم 9 دجنبر أي بفارق عشرة أيام فقط، وكأنّ الرئيس ولد الغزواني يقول بلسان الحال موريتانيا لا تتآمر على المغرب ولا تقبل دبلوماسية شراء الذمم وترفض تأجيج الصراعات الإقليمية وسياسة الحقد والكراهية التي تنهجها الجزائر ضدّ المغرب منذ نصف قرن.
ما هي آثار الزيارة على مستقبل القضية الوطنية وخاصة وأن الجزائر تحاول فرض أجندتها على موريتانيا؟
الزيارة تحمل في ثناياها اعترافاً ضمنياً بمغربية الصحراء من خلال تأكيد البلاغ على صفة “البلدين الجارين”، وهي خطوة مهمة نحو انخراط موريتانيا في الدينامية الدولية التي تميزت في السنوات الأخيرة باعتراف دولتين دائمتي العضوية بمجلس الأمن بسيادة المغرب على صحرائه، بالإضافة إلى ثلاثة أرباع القارة الإفريقية والغالبية الساحقة من الدول العربية والإسلامية، دون أن ننسى عشرين دولة أوربية تدعم المقترح المغربي لحلّ النزاع، وانحسار الدول التي تعترف بالكيان الانفصالي إلى أقل من 28 دولة أغلبها دولة مجهرية لا تكاد ترى بالعين المجردة على خارطة العالم.
وحين تحدث البلاغ عن “تنسيق مساهمات البلدين” في أهم مشروعين استراتيجيين تعرفهما منطقة الساحل والصحراء ومنطقة غرب إفريقيا، وهما أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي والمبادرة الملكية لولوج دول الساحل الحبيسة إلى المحيط الأطلسي، فهذا يعني أنّ نواكشوط قد حسمت أمرها واختارت الانحياز للشرعية التاريخية ولروابط الأخوة والدم التي تربطها بالمغرب.
فمن نافلة القول أن مساهمتها في المبادرتين الاستراتيجيتين هو تكريس عملي ميداني ملموس للاعتراف بمغربية الصحراء، وخيار موريتاني لتحالفاته الاستراتيجية في المستقبل بعيداً عن غوغائية النظام العسكري الجزائري الذي توقفت به عقارب الساعة عند توقيت ما قبل انهيار المعسكر الشرقي الذي كانت الجزائر ولو من بعيد جزءً من تركيبته الفاشلة.
إذن هل تمضي القضية الوطنية نحو الحل؟
أظن بعد هذه الخطوات العملية أصبح الاعتراف الرسمي بسيادة المغرب على صحرائه مسألة وقت لا أكثر، ولكنها مسألة مُلحّة وضرورية وحيوية خاصة وأنّ المغرب سبق له أن نبّه كل من يهمه الأمر إلى أنه ينظر بمنظار الصحراء المغربية إلى علاقاته مع العالم. وعلى المغرب أن يساعد موريتانيا في المرور إلى السرعة القصوى والمصالحة مع التاريخ المشترك للبلدين الجارين التوأم.
ولا أعتقد أنّ أحداً يجادل بأنّ الظروف الإقليمية والمناخ الدولي والانحباس السياسي الجزائري وفشلها الاقتصادي، كلها عوامل تساعد على إنجاز التغيير المطلوب في الموقف الموريتاني، خاصة وأنّ الجزائر وَلَغَتْ في دماء الشعب الموريتاني بواسطة ميليشيات “البوليساريو” التي وصلت إلى مشارف العاصمة نواكشوط وقصفتها وقتلت ما لا يقل عن ألفي (2000) موريتاني خلال الفترة 1975-1978، بالإضافة إلى مئات المختطفين مجهولي المصير إلى اليوم. وأمام هذا السجل الجزائري الأسود، لا أظن أنّ موريتانياً حُرّاً يمكن أن ينسى هذه الجرائم أو يثق في النظام الجزائري، فهذا تاريخ مؤلم لا يتقادم وواقع لا يرتفع. وربما نجد هنا أيضاً وجهاً آخر للثقة التي تحدث عنها البلاغ بين الرباط ونواكشوط ولو من باب مفهوم المخالفة، بمعنى عدم الثقة في الجارة الشرقية التي وقفت وراء انقلابات ومآسي كثيرة في موريتانيا وفي كل دول الجوار.