خالد الصمدي
بالنظر إلى نص التعديل المقترح في إصلاح المدونة نجده ينص على تثمين “العمل المنزلي” وليس تثمين “رعاية الأسرة”، ما يعني أن بينهما فروقات جوهرية، وإن كان البعض قد سارع إلى إثارة موضوع حق الكد والسعاية الذي افتى به بعض الفقهاء المغاربة المعاصرين، في سياق البحث عن تأصيل وتفسير هذا التعديل.
فبالرجوع إلى تعريف الزواج في المدونة نجدها تستخدم مصطلح الرعاية المشتركة بين الزوجين فيقول التعريف “الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين”.
وفي إطار تفسير هذه الرعاية المشتركة التي تضمن التراضي والترابط والاستقرار، فإن الشريعة الإسلامية قد فرضت على الرجل الصداق والنفقة على زوجته وأطفاله، في حال قيام الزوجية والمتعة والسراح الجميل للمطقة وواجبات الحضانة والنفقة على الاطفال عند الانفصال.
ويتمثل دور الزوجة في مقابل ذلك في رعاية الأسرة؛ زوجا وأطفالا والقيام بحقوقهم الشرعية سواء عند قيام الزوجية، أو حضانة الأطفال عند انحلالها، وذلك هو العرف السائد في الأسر المسلمة على مر التاريخ منذ نزول رسالة الإسلام دون أن يثير ذلك أي إشكال، وتم التنصيص على ذلك في المدونة.
وإذا أرادت الدولة أن تسهم في هذه الرعاية بما يضمن استقرار الأسرة فينبغي أن تعمل على اتخاذ عدد من الإجراءات لفائدة ربات البيوت والتي كانت ولا تزال مطلبا لعدد من الفاعلين:
وأول خطوة في ذلك هي حذف صفة “بدون” المهينة من البطاقة الوطنية لربات البيوت وتعويضها بصفة “ربة بيت”.
وثاني خطوة تتمثل في ضمان استمرار استفادة الزوجة غير العاملة وأطفالها من التغطية الصحية بعد انفصالها عن زوجها أو بعد وفاته، وذلك تبعا لأدائه لواجب الانخراط خلال حياته، وفي حال عجزها عن أداء واجب الانخراط تتحمله الدولة.
وتستفيد الزوجة المطلقة أو الأرملة غير العاملة كذلك من برامج الدعم الاجتماعي التي يوفرها صندوق الأرامل والمطلقات، كما يستفيد أبناؤها من برامج الصحة ودعم التمدرس، طبقا للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل.
وإذا كانت الزوجة لا تستفيد اليوم إلا من نصف تقاعد زوجها بعد وفاته، فإنه على الدولة أن تحافظ للزوجة غير العاملة وأطفالها عند وجودهم على التقاعد كاملا.
هذا عن الرعاية الأسرية وتثمينها، أما العمل المنزلي الذي جاء به مقترح التعديل ودعا إلى تثمينه، فهو مفهوم جديد، لم يكن موجودا في المدونة السابقة، لذلك فهو يقتضي أن نعرفه قبل الحديث عن كيفية تثمينه.
وفي هذا السياق يمكن تعريف العمل المنزلي بأنه كل عمل مدر للدخل تقوم به الزوجة داخل البيت أو خارجه وتقرر طوعيا المساهمة به في تحمل أعباء الأسرة، ويمكن ضبط مقدار هذه المساهمة بعقد يجمع الزوجين دون أن يؤثر ذلك على الذمة المالية المستقلة لكل واحد منهما، إلا إذا تراضيا على الاشتراك في هذه الذمة طبقا لما تم النص عليه في المادة 49 من المدونة الحالية، وتم العمل به حاليا من طرف القضاء في تحديد ما تستحقه الزوجة من أموال بعد الطلاق أو يخصم من التركة قبل توزيعها عند الوفاة.
حيث يرجع القاضي في ذلك إلى هذا العقد لتثمين هذا العمل المنزلي وتقدير حجمه، وإذا لم يكن هناك عقد بين الزوجين رجع القاضي في تثمين هذا العمل المنزلي المدر للدخل الذي قامت به الزوجة أثناء قيام العلاقة الزوجية إلى العرف السائد ويحكم بسحبه من التركة لفائدتها قبل قسمتها، أو الحكم به لفائدتها في حال الطلاق، وهذا الذي اجتهد فيه الفقهاء قديما فسموه حق الكد والسعاية، ولم يخلطوا أبدا بينه وبين الرعاية.
وإذا كان تثمين العمل المنزلي عند رغبة الزوجين يقوم على التقدير والمحاسبة، فإن رعاية الأسرة من الطرفين لا يمكن تقديرها بثمن لأنها قائمة على التعاون والرضى والترابط والود والمكارمة.