خالد الصمدي
من مظاهر التكامل بين التشريعات القانونية والقيم الحكمية في نظام الأسرة في الشريعة الإسلامية، أن ما يسمى اليوم ب “تثمين العمل المنزلي” حسمه الله تعالى من فوق سبع سماوات حين قسم المهام بين الزوجين في رعاية الأسرة فقال “والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما”.
وجعل المساهمة في النفقة بالنسبة للزوجة تطوعا ومكرمة، فقال جل وعلا مخاطبا الرجل وهو يعطي للمرأة صداقها الذي هو حق لها “فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا”، وهذا يسري على كل ما يمكن أن تنفقه المرأة تطوعا على زوجها أو بيتها دون إلزام شرعي.
ثم قال بعد الطلاق “ولا تنسوا الفضل بينكم”، وقال “فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا”، وقال “ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين”.
وأوكل هذه المتعة الى ضمير الزوج المحسن بما يجبر الضرر الحاصل للمطلقة بسبب فراق بيتها وزوجها الذي يكون قد اضطر بدوره إلى الطلاق من زوجته، فلا طلاق برغبة ومحبة بل هو أبغض الحلال إلى الله.
فإذا وقع الخلاف في تقدير مقدار المتعة التي هي حق للزوجة المطلقة أسند الشرع تقدير ذلك الى القاضي الذي يأخذ في ذلك اعتبارات السياق.
أما تدبير الممتلكات المتحصلة من العمل المشترك المدر للدخل للزوجين، أو من الجهد الذي بذله كل واحد منهما في إطار الذمة المالية المستقلة لكل واحد منهما فقد أجاز الشرع الحكيم التعاقد بين الزوجين في ذلك، وترك لهما حرية تحديد مضامينه، وأخذت بذلك المدونة الحالية 2004، وأطر الشرع الحكيم كل ذلك بمنظومة من القيم والمفاهيم الشرعية التي تشكل لحمة الأسرة المتينة.
فهل يمكن للإنسان أن يبدع أشكالا أخرى من القواعد التدبيرية والمالية للعلاقة الأسرية أثناء قيام العلاقة الزوجية أو بعد الانفصال خارج هذا الإطار الشرعي الحكيم المؤسس على منظومة متكاملة من التشريعات والقيم إلا ما كان من آليات التنفيذ والتنزيل؟ “أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم؟”.