[ After Header ] [ Desktop ]

[ After Header ] [ Desktop ]

[ after header ] [ Mobile ]

[ after header ] [ Mobile ]

الصمدي يدعو الحكومة للإسراع في تنزيل سياسات عمومية شاملة ومتكاملة تحتضن الأسرة

خالد الصمدي


يلاحظ أن النقاش العمومي في موضوع الأسرة يركز لحد الساعة على المضامين، أكثر من إثارة إشكالات التنفيذ والتنزيل وسياقاتها المتعددة بشكل استشرافي والتي كانت السبب الرئيسي في فتح ورش الإصلاح.
ولذلك نجد النقاش العمومي يسير في اتجاه مناقشة المقتضيات النصية التفصيلية للمدونة والتي يتخوف البعض من أن تكون سببا في العزوف عن الزواج، وفي ارتفاع النزاعات الأسرية المفضية إلى الطلاق وغير ذلك، ولذلك خاض هذا النقاش في معارك الحد من زواج القاصرات، والحد من تعدد الزوجات، واقتسام الممتلكات بعد الطلاق، وحق الحضانة والولاية، ونظام الإرث وغير ذلك.
هذا النقاش الذي سيرفع سقف الانتظارات ليوهم الرأي العام أن نص المدونة الجديد يمكن ان يكون حلا سحريا لكل مشاكل الأسرة، وكأننا سنستفيق صباح نشر المدونة في الجريدة الرسمية لنجد أن هذه الأسرة قد استقرت وأن المجتمع قد عاد الى سكة الصواب، وأن إشكالاته المزمنة قد انمحت بضربة من عصى موسى أو حركة من خاتم سليمان.
ودون أن نقلل من أهمية النقاش العمومي في هذه القضايا التفصيلية، والتي تحتاج الى تدافع قوي، للدفع في قدما في اتجاه بناء نموذج متوازن للأسرة المغربية يحترم الثوابت وينفتح على العصر، فإننا نعتقد أن إنقاذ الأسرة المغربية ينبغي أن يكون وفق مقاربة متكاملة وبمنظور شمولي.
وفي هذا السياق نذكر أن جلالة الملك قبل أن يطلق هذا الورش كان قد أطلق ورش إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي والتي تعني 9 ملايين متعلم ومتعلمة ينتمون إلى الأسر المغربية، وأطلق مشاورات موسعة لإعداد النموذج التنموي الجديد واعتمده وأمر بتحويله الى ميثاق لتنمية الأسرة والمجتمع والوطن، وكان قبل ذلك قد أعاد هيكلة الحقل الديني في اتجاه تطوير مهام المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الجهوية والاقليمية والمحلية للقيام بدورها في توعية الأسرة والمجتمع.
وأطلق استراتيجية جديدة للاستثمار والانفتاح على الاقتصادات الدولية وتنويع الشركاء لتوسيع وعاء سوء الشغل الذي يعتبر الشرط الذي لا غنى عنه لبناء الأسرة وتدبيرها، وغير ذلك من الاوراش الكبرى وفي سياقها يأتي إطلاق ورش إصلاح مدونة الأسرة، ولا يمكن نجاحها إلا من خلال وضع هذا الورش الوطني المهيكل ضمن هذا الإطار الشمولي.
ولذلك ينبغي أن يلتقط جميع الفاعلين هذه الاشارات ليسارعوا إلى تنزيل سياسات عمومية شاملة ومتكاملة تحتضن الأسرة وتضمن لإصلاحها عوامل النجاح.
لأنه بدون سياسة تعليمية تحد من الهدر المدرسي وخاصة في صفوف الفتيات في العالم القروي (الهدر المدرسي يصل 350 ألف تلميذ وتلميذة في سن التمدرس والرقم في تزايد) لن يزيد وضعية القاصرات إلا سوءا، وستزيده القيود المتوقعة على زواجهن تدهورا.
وبدون سياسة تكوين وتشغيل الشباب وخاصة الفئة العمرية ما بين 24 و30 سنة بما يمكنهم من بناء أسر وتحسين دخلها (ما يقرب من مليونين في هذه السن لا يوجدون لا في المدرسة ولا في سوق الشغل، ومعدل البطالة وصل إلى رقم غير مسبوق 13٪) وأن وضع الشباب بفعل هذه الارقام لا يبشر بخير ما لم يتم تدارك الأمر.
وبدون سياسة عمومية ناجعة في مجال الصحة العامة التي تضمن الولوج إلى الخدمات الصحية في ظروف مناسبة بصفة عامة، والصحة الإنجابية بصفة خاصة لتقليل الامراض في صفوف الاطفال التي تنتج عنها وفيات وإعاقات، خاصة في العالم القروي والمناطق ذات الخصاص، بما لذلك من تبعات اجتماعية واقتصادية كبرى، وإنهاك لمقدرات الأسر.
وفي ظل غياب سياسة أسرية مشجعة على الزواج لمعالجة إشكالية انخفاض معدله في مقابل ارتفاع نسبة العنوسة (50٪ من الفتيات في سن الزواج) وارتفاع نسبة الطلاق بسبب تبسيط مساطره، وانخفاض نسبة الخصوبة الى ما دون 1,9.
وبدون سياسة عمومية في مجال الدعم الاجتماعي المستدام الموجه لمحاربة الفقر ودعم السكن وحماية الاسر في وضعية هشاشة ودعم الارامل والمطلقات ورعاية الايتام والمعاقين، وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.
في غياب هذه السياسات العمومية المواكبة ذات نجاعة ومردودية على الأسرة والمجتمع، سينخفض سقف الانتظارات من المدونة المرتقبة وسيحد من تأثيرها على واقع الأسرة والمجتمع، مهما كانت جودتها.
ودون هذا المنظور الشمولي سيجعل العديد يشعرون أن المناقشة السائدة اليوم وبهذا الزخم الكبير، لم تكن إلا صرفا للأنظار عن هذه الاشكالات الحقيقية للأسرة والمجتمع والتي ستعود إلى صلب النقاش العمومي مباشرة بعد صمت طبول النقاش حول المدونة، لنعود مرة أخرى إلى طرح سؤال التنزيل الذي كان في الأصل سببا في الدعوة إلى فتح ورش الإصلاح، لنعيد العداد مرة أخرى الى نقطة الصفر، وهو ما لا نتمناه.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

عاجل

مواعيد الجموع العامة الإقليمية لانتخاب مندوبي المؤتمر الوطني التاسع