محمد عصام
صرح النائب البرلماني عن حزب الاستقلال المنتمي للأغلبية الحكومية، عبد الرحيم بوعيدة، بالجلسة العامة لمجلس النواب أمس ، أن النواب البرلمانيين لا يجب أن يتحولوا إلى “محامين” يدافعون عن الحكومة وإن كانوا ينتمون للأغلبية، ودعا للتمييز بين الأغلبية الحكومية والأغلبية البرلمانية، مضيفا أن الأصل في المهمة البرلمانية هو تمثيل الأمة وليس الانتصاب محاميا عن الحكومة.
هذا التصريح يضع الملح على جرح الممارسة البرلمانية، حيث تحول برلمانيو الأغلبية في سابقة لم يشهد لها المغرب مثيلا من قبل، إلى مجرد أدوات صدئة للدفاع” الأوتوماتيكي” عن الحكومة، بل وصل الأمر في كثير من الأحيان إلى الدفاع عن مقاولات رئيس الحكومة واستثماراتها، في صورة” كاريكاتورية” للأسف تحول معها البعض أو أباح لنفسه أن يصير “براحا” باسم شركات رئيس الحكومة أو مكلفا بالدعاية والتسويق.
والدستور المغربي كان واضحا جدا في فصله 60 حين قال إن ” أعضاء البرلمان يستمدون نيابتهم من الأمة، وحقهم في التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه”، وفي الفصل 70 حدد مهام البرلماني في التشريع والتصويت على القوانين، ومراقبة الحكومة وتقييم السياسات العمومية، وليس من وظائفه النيابة عن الحكومة أو امتهان صفة الدفاع عنها.
إلا أن الممارسة اليوم انزلقت مع كفاءات زمن الصفر في السياسة التي أتى بها تسونامي 8 شتنبر 2021، إلى نوع رديء جدا من تمثل هذه المقتضيات والذي يصل إلى درجة الانقلاب عليها بكل صفاقة.
وبتنا نشاهد في كثير من الجلسات كيف يمارس نواب الأغلبية الرقابة على نواب المعارضة، ويلحون على أخذ نقاط النظام للرد على ملاحظاتهم ضدا على مقتضيات النظام الداخلي وانقلابا على الدستورن ويعتبرون أنفسهم معنيين مباشرة بكل انتقاد أو ملاحظة توجه للحكومة وأدائها.
والواقعة التي حدثت أمس من مزايدات سياسية ممجوجة، على مقترح ومطالبة المعارضة وفي مقدمتها المجموعة النيابية للعدالة والتنمية بتخصيص جلسة للاحتفاء بنصر المقاومة بغزة والوصول إلى اتفاق وقف النار، هذه الواقعة وما صاحبها من الرداءة مثال صارخ عن القاع الذي وصل البعض إليه، في إساءة بالغة للمؤسسة التشريعية وأدوارها، وإمعانا في تكريس الصورة السلبية لدى المواطن حول المؤسسة وحول السياسة والسياسيين عموما.
فعندما ينتخب المواطن ممثلا له في المؤسسة التشريعية، فإنه في الحقيقة يختار من سيكون صوتا له داخل المؤسسة، وهذا هو المقصود بتمثيل الأمة، أما الحكومة فعندها من الإمكانيات الدستورية ما يسمح لها بالدفاع عن نفسها وعن اختياراتها بكل أريحية، ولا يمكن بأي حال أن يصل الابتدال إلى درجة تحويل ممثلي الأمة إلى مجرد موظفين مكلفين بالدفاع عن الحكومة والدعاية لصالحها.
مفهوم أن يصوت من ينتمي للأغلبية لصالح التحالف الذي ينتمي له، لكن لا يمكن أن تختزل الوظيفة السامية للبرلمان في تمثيل الأمة فقط في ذلك، وتوسيع هذا الفهم حتى يشمل مصادرة حق بقية النواب في الانتقاد وممارسة المعارضة كما يقتضيها الدستور، وفرض نوع من الرقابة غير الشرعية على تدخلاتهم أرائهم، وممارسة “الشغب” والمزايدة عليهم وعلى مبادراتهم التي تنسجم مع وظائفهم ومهامهم الدستورية.
ما قاله النائب الاستقلالي، ستكون له غالبا تداعيات في بيت الأغلبية، التي تعيش على وقع الخلافات البينية، وانطلاق سباق المنافسة على رئاسة حكومة مونديال 2030، وتواتر الانتقادات من داخل قيادات الأغلبية لأداء الحكومة، من قبيل ما صرح به القيادي التجمعي أوجار حول الغلاء، أو ما صرح به نزار بركة حول التشغيل، وأيضا ما تقوله بسخاء هذه الأيام فاطمة الزهراء المنصوري حول تسخيناتها المبكرة لمطاردة حلم رئاسة حكومة المونديال.