يوسف غربي
يمنحنا التاريخ اليقين بأن الشعوب تباد (على مستوى الفكرة قبل ان تباد ماديا) كيف؟
لم يتحمل بن غفير الصهيوني المتطرف منظر مسيرة العائدين إلى ديارهم وصرح بضرورة استئناف الحرب. يدرك العدو أن تحولا نفسيا حصل في بنية الاجتماع الفلسطيني، إذ لم يعد ممكنا إقناعه أو إغراؤه أو إرهابه لاستساغة إعدام فكرة فلسطين الوطن. نحن أمام قفزة نفسية تقطع مع جيل الهزيمة والمغادرة للأرض خوفا من البطش والتنكيل.
يلوح ترامب من جديد وبطريقة ملتوية بالتهجير تحت مسمى المغادرة المؤقتة أو التي قد تطول والحقيقة أنه المؤقت الذي يدوم. فقد لدغ الفلسطينيون قبل ذلك مرات في 48 و67 ولدغوا يوميا بالهدم لمنازلهم واستصدار أحكام لمصادرة أراضيهم، ولدغوا بتوسيع مناطق الاستيطان. فصار العيش في المنافي حالة دائمة وعلق حق العودة للاجئين في اتفاقات (السلام) المزعوم لأن اسرائيل تخشى من انقلاب الميزان الديمغرافي، ولقطع الطريق على أي صيغة (توفيقية ظالمة) تم ترسيم هوية الدولة ووسمها باليهودية.
واليوم يريد ترامب الحصول بالحيلة والاستغفال على ما لم تدركه “إسرائيل” بالقوة. عملية تفريغ للأرض من البشر لتصير أرضا خلاء بلا شعب، لشعب يتمدد في كل الأرض.
لعله من المفيد هنا عبر القياس استحضار عملية استيلاء الأوربيين على أمريكا وتفريغها من (أكثر من 400 ثقافة وأمة) ففي أحشاء الأرض الأمريكية شعب أصيل أبيد لتخلو الأرض للقوي المنتصر، أي بناء حضارة على مقبرة جماعية.
يورد منير العكس في كتابه فكرة أمريكا حادثة حفريات داخل حديقة البيت الأبيض لبناء مسبح و أثناء الحفر تم العثور على بقايا بشرية للهنود الذين أبيدوا في مدينتهم نكان شتنكة المسماة اليوم واشنطن وأهيل التراب فورا لمنع العدم من الاستيقاظ. وفوق هذا العدم المشاكس أي في حديقة الورود وقعت اتفاقات أوسلو، وكأن الحال يقول: العدم السطحي يحتفي بالعدم السفلي ليلحق به.!!!!
إن الصهيونية الأمريكية الحريصة على تمدد اسرائيل، وتفوقها على جيرانها عبر اتفاقات الإخضاع والمتدثرة بأقنعة الخداع والتسميات الدينية مثل الإبراهيمية، تتحين اللحظة الجبارة لابتلاع أرض اسرائيل وإسماعيل، ولبلوغها لا بد من التمكين لـــ “إسرائيل” و محو الوجود الفلسطيني المعاكس عبر الإبادة والتهجير وهو ما يعكسه تصريح ترامب الداعي للتهجير وكذا إفراجه عن صفقة الأسلحة المتوقفة في الهزيع الأخير من ولاية بايدن، فالسلاح للإبادة والتهجير لكسر الإرادة و تصيير الشعب مجرد قطيع يوجه حيث شاءت إرادة المنتصر.
مسيرة العودة و التحام المواطنين مع مقاومتهم، يشوش على طقس الإبادة الهيمني. وبذلك تنتصر إرادة البقاء في وجه إرادة الطمس والإلغاء، في لعبة الوجود والعدم الحضاري.